الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وعباد الرحمن الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : وعباد الرحمن قال : هم المؤمنون، الذين يمشون على الأرض هونا قال : بالطاعة والعفاف والتواضع .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : يمشون على الأرض هونا قال : علماء حلماء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن الضحاك في قوله : هونا . [ ص: 204 ] قال : بالسريانية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي عمران الجوني في قوله : هونا قال : حلماء، بالعبرانية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ميمون بن مهران في قوله : هونا قال : حلماء، بالسريانية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في "شعب الإيمان"، عن مجاهد في قوله : وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا قال : بالوقار والسكينة، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما قال : سدادا من القول .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن عكرمة ، مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن زيد بن أسلم في قوله : يمشون على الأرض هونا قال : لا يشتدون .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 205 ] وأخرج أبو نعيم في "الحلية"، عن أبي هريرة ، وابن النجار عن ابن عباس ، قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الخرائطي في "مكارم الأخلاق"، عن الفضيل بن عياض في قوله : الذين يمشون على الأرض هونا قال : بالسكينة والوقار، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما قال : إن جهل عليه حلم، وإن أسيء إليه أحسن، وإن حرم أعطى، وإن قطع وصل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الآمدي في "شرح ديوان الأعشى" بسنده عن عمر بن الخطاب، أنه رأى غلاما يتبختر في مشيته فقال له : إن البخترية مشية تكره إلا في سبيل الله، وقد مدح الله أقواما فقال : وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا فاقصد في مشيتك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : يمشون على الأرض هونا قال : تواضعا لله، لعظمته، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما قال : كانوا لا يجاهلون أهل الجهل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو نعيم في "الحلية"، عن محمد بن علي الباقر قال : سلاح اللئام [ ص: 206 ] قبح الكلام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن النعمان بن مقرن المزني : أن رجلا سب رجلا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل الرجل المسبوب يقول : عليك السلام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أما إن ملكا بينكما يذب عنك؛ كلما شتمك هذا قال له : بل أنت، وأنت أحق به . وإذا قلت له : عليك السلام . قال : لا، بل لك أنت أحق به» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير : وإذا خاطبهم الجاهلون قال : السفهاء، قالوا سلاما يعني : ردوا معروفا، والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما يعني : يصلون بالليل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والبيهقي في "شعب الإيمان"، عن الحسن : يمشون على الأرض هونا الآية . قال : يمشون حلماء متواضعين، لا يجهلون على أحد، وإن جهل عليهم جاهل لم يجهلوا، هذا نهارهم إذا انتشروا في الناس، والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما قال : هذا ليلهم إذا خلوا بينهم وبين ربهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : كان يقال : ابن آدم، عف عن [ ص: 207 ] محارم الله تكن عابدا، وارض بما قسم الله لك تكن غنيا، وأحسن مجاورة من جاورك من الناس تكن مسلما، وصاحب الناس بالذي تحب أن يصاحبوك به تكن عدلا، وإياك وكثرة الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب، إنه قد كان يديكم أقوام يجمعون كثيرا، ويبنون شديدا، ويأملون بعيدا، فأين هم؟ أصبح جمعهم بورا، وأصبح أملهم غرورا، وأصبحت مساكنهم قبورا . ابن آدم، انك مرتهن بعملك، وآت على أجلك، معروض على ربك، فخذ مما في يديك لما بين يديك عند الموت يأتيك الخير، يا ابن آدم، طأ الأرض بقدمك؛ فإنها عن قليل قبرك، إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك . يا ابن آدم، خالط الناس وزايلهم؛ خالطهم ببدنك، وزايلهم بقلبك وعملك، يا ابن آدم، أتحب أن تذكر بسحناتك، وتكره أن تذكر بسيئاتك، وتبغض على الظن، وتقيم على اليقين، وكان يقال : إن المؤمنين لما جاءتهم هذه الدعوة من الله صدقوا بها، وافضا يقينها، خشعت لذلك قلوبهم وأبدانهم وأبصارهم، كنت والله إذا رأيتهم قوما كأنهم رأي عين، والله ما كانوا بأهل جدل وباطل، ولكن جاءهم من الله أمر فصدقوا به، فنعتهم الله في [ ص: 208 ] القرآن أحسن نعت فقال : وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الحسن : والهون في كلام العرب اللين والسكينة والوقار، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما قال : حلماء لا يجهلون، وإن جهل عليهم حلموا، يصاحبون عباد الله نهارهم بما تسمعون، ثم ذكر ليلهم خير ليل، قال والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ينتصبون لله على أقدامهم، ويفترشون وجوههم سجدا لربهم، تجري دموعهم على خدودهم فرقا من ربهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الحسن : لأمر ما سهر ليلهم، ولأمر ما خشع نهارهم، والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما قال : كل شيء يصيب ابن آدم لم يرد عليه فليس بغرام، إنما الغرام اللازم له ما دامت السماوات والأرض . قال : صدق القوم والله الذي لا إله إلا هو، فعلوا ولم يتمنوا، فإياكم وهذه الأماني يرحمكم الله، فإن الله لم يعط عبدا بالمنية خيرا قط في الدنيا والآخرة، وكان يقول : يا لها من موعظة لو وافقت من القلوب حياة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : إن عذابها كان غراما . قال : "الدائم" .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 209 ] وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : إن عذابها كان غراما قال : ملازما شديدا، كلزوم الغريم الغريم . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم، أما سمعت قول بشر بن أبي حازم :

                                                                                                                                                                                                                                      ويوم النسار ويوم الجفار كانا عذابا وكانا غراما



                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن الأنباري عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : كان غراما ما الغرام؟ قال : المولع، قال فيه الشاعر :

                                                                                                                                                                                                                                      وما أكلة إن نلتها بغنيمة     ولا جوعة إن عفتها بغرام



                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الحسن في قوله : إن عذابها كان غراما قال : قد علموا أن كل غريم يفارق غريمه إلا غريم جهنم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا قال : هم [ ص: 210 ] المؤمنون، لا يسرفون فينفقوا في معصية الله، ولا يقترون فيمنعوا حقوق الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن عاصم ، أنه قرأ : ولم يقتروا بنصب الياء ورفع التاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله : والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا قال : الإسراف النفقة في معصية الله، والإقتار الإمساك عن حق الله . قال : وإن الله قد قات لكم قيتة فانتهوا إلى قيتة الله، قال في النطق : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا [الأحزاب : 70] . قال : قولوا صدقا عدلا، وقال في النظر : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم [النور : 30] . عما لا يحل لهم . وقال في الاستماع : الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه [الزمر 18] . وأحسنه طاعة الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن شهاب في قوله : لم يسرفوا ولم يقتروا . [ ص: 211 ] قال : لا ينفقه في باطل، ولا يمنعه من حق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن يزيد بن أبي حبيب : والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا قال : أولئك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا لا يأكلون طعاما يريدون به نعيما، ولا يلبسون ثوبا يريدون به جمالا، كانت قلوبهم على قلب واحد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش في قوله : وكان بين ذلك قواما قال : عدلا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن عمر مولى غفرة قال القوام ألا تنفق من غير حق، ولا تمسك من حق هو عليك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن وهب بن منبه : وكان بين ذلك قواما قال : الشطر من أموالهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن يزيد بن مرة الجعفي قال : العلم خير من العمل، والحسنة بين السيئتين، يعني : إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وخير [ ص: 212 ] الأمور أوساطها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق عن الحسن في قوله : لم يسرفوا ولم يقتروا أن عمر بن الخطاب قال : كفى سرفا ألا يشتهي رجل شيئا إلا اشتراه فأكله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «من فقه الرجل رفقه في معيشته» .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية