الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 204 ] سورة المؤمن

                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو سليمان الدمشقي: ويقال لها: سورة الطول . وهي مكية، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة . وحكي عن ابن عباس وقتادة أن فيها آيتين نزلتا بالمدينة: قوله: الذين يجادلون في آيات الله والتي بعدها [المؤمن: 35، 36] . قال الزجاج : وذكر أن الحواميم كلها نزلت بمكة . قال ابن قتيبة : يقال: إن "حم" اسم من أسماء الله أضيفت هذه السورة إليه، كأنه قيل: سورة الله، لشرفها وفضلها، فقيل: آل حاميم، وإن كان القرآن كله سور الله، وإن هذا كما يقال: بيت الله، وحرم الله، وناقة الله، قال الكميت:


                                                                                                                                                                                                                                      وجدنا لكم في آل حاميم آية تأولها منا تقي ومعرب



                                                                                                                                                                                                                                      وقد تجعل "حم" اسما للسورة، ويدخل الإعراب ولا يصرف، ومن قال هذا في الجميع: الحواميم، كما يقال: "طس" والطواسين . وقال محمد بن القاسم الأنباري: العرب تقول: وقع في الحواميم، وفي آل حميم، أنشد أبو عبيدة:

                                                                                                                                                                                                                                      حلفت بالسبع اللواتي طولت     وبمئين بعدها قد أمئيت


                                                                                                                                                                                                                                      وبمثان ثنيت فكررت     وبالطواسين اللواتي ثلثت


                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 205 ] وبالحواميم اللواتي سبعت      [وبالمفصل اللواتي فصلت]



                                                                                                                                                                                                                                      فمن قال: وقع في آل حاميم، جعل حاميم اسما لكلهن; ومن قال: وقع في الحواميم، جعل "حم" كأنه حرف واحد بمنزلة قابيل وهابيل . وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال: من الخطإ أن تقول: قرأت الحواميم، وليس من كلام العرب، والصواب أن تقول، قرأت آل حاميم . وفي حديث ابن مسعود "إذا وقعت في آل حم وقعت في روضات دمثات"، وقال الكميت:

                                                                                                                                                                                                                                      وجدنا لكم في آل حاميم آية

                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      حم . تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم . غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي حم أربعة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: قسم أقسم الله به وهو من أسمائه عز وجل، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . قال أبو سليمان: وقد قيل: إن جواب القسم قوله: إن الذين كفروا ينادون [المؤمن: 10] .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 206 ] والثاني: أنها حروف من أسماء الله عز وجل، ثم فيه ثلاثة أقوال . أحدها: أن "الر" و "حم" و "نون" حروف الرحمن، رواه عكرمة عن ابن عباس . والثاني: أن الحاء مفتاح اسمه "حميد"، والميم مفتاح اسمه "مجيد"، قاله أبو العالية . والثالث: أن الحاء مفتاح كل اسم لله ابتداؤه حاء، مثل "حكيم"، و "حليم"، و "حي"، والميم مفتاح كل اسم له، ابتداؤه ميم مثل "ملك"، و "متكبر"، و "مجيد"، حكاه أبو سليمان الدمشقي . وروي نحوه عن عطاء الخراساني .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أن معنى "حم": قضي ما هو كائن، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وروي عن الضحاك والكسائي مثل هذا كأنهما أرادا الإشارة إلى حم، بضم الحاء وتشديد الميم . قال الزجاج : وقد قيل في "حم": حم الأمر . والرابع: أن "حم" اسم من أسماء القرآن، قاله قتادة . وقرأ ابن كثير: "حم" بفتح الحاء; وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي: بكسرها; واختلف عن الباقين . قال الزجاج : أما الميم، فساكنة في قراءة القراء كلهم الا عيسى ابن عمر فإنه فتحها; وفتحها على ضربين . أحدهما: أن يجعل "حم" اسما للسورة، فينصبه ولا ينونه، لأنه على لفظ الأسماء الأعجمية نحو هابيل وقابيل . والثاني: على معنى: اتل حم; والأجود أن يكون فتح لالتقاء الساكنين حيث جعله اسما للسورة، ويكون حكاية حروف الهجاء .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: تنزيل الكتاب أي: هذا تنزيل الكتاب . والتوب: [ ص: 207 ] جمع توبة، وجائز أن يكون مصدرا من تاب يتوب توبا . والطول: الفضل . قال أبو عبيدة: يقال: فلان ذو طول على قومه، أي: ذو فضل . وقال ابن قتيبة : يقال: طل علي يرحمك الله، أي: تفضل . قال الخطابي: ذو: حرف النسبة، والنسبة في كلامهم على ثلاثة أوجه: بالياء، كقولهم: أسدي، وبكري، والثاني على الجمع، كقولهم: المهالبة، والمسامعة، والأزارقة، والثالث بـ "ذي" و "ذات"، كقولهم: رجل مال، أي: ذو مال، وكبش صاف، أي: ذو صوف، وناقة ضامر، أي: ذات ضمر; فقوله: ذو الطول، معناه: أهل الطول والفضل .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية