الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                فصل وكذلك لفظ الإطعام لعشرة مساكين لم يقدره الشرع بل كما قال الله : { من أوسط ما تطعمون أهليكم } وكل بلد يطعمون من أوسط ما يأكلون كفاية غيره كما قد بسطناه في غير هذا الموضع .

                [ ص: 253 ] وكذلك لفظ " الجزية " و " الدية " فإنها فعلة من جزى يجزي إذا قضى وأدى ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم { تجزي عنك ولا تجزي عن أحد بعدك } وهي في الأصل جزى جزية كما يقال : وعد عدة ووزن زنة . وكذلك لفظ " الدية " هو من ودى يدي دية كما يقال : وعد يعد عدة والمفعول يسمى باسم المصدر كثيرا فيسمى المؤدى دية والمجزي المقضي جزية كما يسمى الموعود وعدا في قوله : { ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } { قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين } { فلما رأوه زلفة } وإنما رأوا ما وعدوه من العذاب وكما يسمى مثل ذلك الإتاوة لأنه تؤتى أي : تعطى . وكذلك لفظ الضريبة لما يضرب على الناس . فهذه الألفاظ كلها ليس لها حد في اللغة ولكن يرجع إلى عادات الناس فإن كان الشرع قد حد لبعض حدا كان اتباعه واجبا .

                ولهذا اختلف الفقهاء في الجزية : هل هي مقدرة بالشرع أو يرجع فيها إلى اجتهاد الأئمة ؟ .

                وكذلك الخراج والصحيح أنها ليست مقدرة بالشرع . { وأمر النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ : أن يأخذ من كل حالم دينارا أو عدله معافريا } قضية في عين لم يجعل ذلك شرعا عاما لكل من تؤخذ منه الجزية إلى يوم القيامة ; بدليل أنه صالح لأهل البحرين على [ ص: 254 ] حالم ولم يقدره هذا التقدير وكان ذلك جزية وكذلك صالح أهل نجران على أموال غير ذلك ولا مقدرة بذلك فعلم أن المرجع فيها إلى ما يراه ولي الأمر مصلحة وما يرضى به المعاهدون فيصير ذلك عليهم حقا يجزونه أي : يقصدونه ويؤدونه .

                وأما الدية ففي العمد يرجع فيها إلى رضى الخصمين وأما في الخطأ فوجبت عينا بالشرع فلا يمكن الرجوع فيها إلى تراضيهم بل قد يقال : هي مقدرة بالشرع تقديرا عاما للأمة كتقدير الصلاة والزكاة وقد تختلف باختلاف أقوال الناس في جنسها وقدرها وهذا أقرب القولين وعليه تدل الآثار وأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعلها مائة لأقوام كانت أموالهم الإبل ; ولهذا جعلها على أهل الذهب ذهبا ; وعلى أهل الفضة فضة ; وعلى أهل الشاء شاء ; وعلى أهل الثياب ثيابا ; وبذلك مضت سيرة عمر بن الخطاب وغيره .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية