الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب من قال أربع ركعات

                                                                      1178 حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن عبد الملك حدثني عطاء عن جابر بن عبد الله قال كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك في اليوم الذي مات فيه إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الناس إنما كسفت لموت إبراهيم ابنه صلى الله عليه وسلم فقام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس ست ركعات في أربع سجدات كبر ثم قرأ فأطال القراءة ثم ركع نحوا مما قام ثم رفع رأسه فقرأ دون القراءة الأولى ثم ركع نحوا مما قام ثم رفع رأسه فقرأ القراءة الثالثة دون القراءة الثانية ثم ركع نحوا مما قام ثم رفع رأسه فانحدر للسجود فسجد سجدتين ثم قام فركع ثلاث ركعات قبل أن يسجد ليس فيها ركعة إلا التي قبلها أطول من التي بعدها إلا أن ركوعه نحو من قيامه قال ثم تأخر في صلاته فتأخرت الصفوف معه ثم تقدم فقام في مقامه وتقدمت الصفوف فقضى الصلاة وقد طلعت الشمس فقال يا أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل لا ينكسفان لموت بشر فإذا رأيتم شيئا من ذلك فصلوا حتى تنجلي وساق بقية الحديث حدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسمعيل عن هشام حدثنا أبو الزبير عن جابر قال كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه فأطال القيام حتى جعلوا يخرون ثم ركع فأطال ثم رفع فأطال ثم ركع فأطال ثم رفع فأطال ثم سجد سجدتين ثم قام فصنع نحوا من ذلك فكان أربع ركعات وأربع سجدات وساق الحديث

                                                                      التالي السابق


                                                                      أي من الأئمة كمالك والشافعي وأحمد وجمهور علماء الحجاز . ( أربع ركعات ) : أي أربع ركوعات في الركعتين فصار في كل ركعة ركوعان وهذا هو الراجح الصحيح ولذا بوب عليه المؤلف . وأما من قال غير ذلك ورآها واسعا ولم يختص بصورة واحدة فأورد دلائلهم أيضا في هذا الباب والله أعلم .

                                                                      ( اليوم الذي مات فيه إبراهيم ) هو في السنة العاشرة من الهجرة وهو ابن ثمانية عشر شهرا أو أكثر وكان ذلك يوم عاشر الشهر كما قال بعض الحفاظ ، وفيه رد لقول أهل الهيئة لا يمكن كسوفها في غير يوم السابع أو الثامن أو التاسع والعشرين إلا أن يريدوا أن ذلك باعتبار العادة وهذا خارق لها ( ست ركعات ) : أي ركوعات إطلاقا للكل وإرادة للجزء ( في أربع سجدات ) : أي في ركعتين فيكون في كل ركعة ثلاث ركوعات وسجدتان .

                                                                      قال الطيبي : أي صلى ركعتين كل ركعة بثلاث ركوعات . وعند الشافعي وأكثر أهل العلم أن الخسوف إذا تمادى جاز أن يركع في كل ركعة ثلاث ركوعات وخمس ركوعات وأربع ركوعات انتهى .

                                                                      وقال الإمام البخاري وغيره من الأئمة : لا مساغ لحمل هذه الأحاديث على بيان الجواز إلا إذا تعددت الواقعة وهي لم تتعدد لأن مرجعها كلها إلى صلاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كسوف الشمس يوم مات ابنه إبراهيم وحينئذ يجب ترجيح أخبار الركوعين فقط ; لأنها أصح وأشهر ، وخالف في ذلك جماعة من الأئمة الجامعين بين الفقه والحديث كابن المنذر فذهبوا إلى تعدد الواقعة وحملوا الروايات في الزيادة والتكرير على بيان الجواز [ ص: 34 ] وقواه النووي في شرح مسلم وغيره ( نحوا مما قام ) : أي مماثلا للقيام في المقدار ( القراءة الثالثة ) : أي في المرة الثالثة ( فانحدر ) أي انخفض ( فسجد سجدتين ) : فائدة ذكرها أن الزيادة منحصرة في الركوع دون السجود ( ليس فيها ركعة ) : أي ركوع ( نحو من قيامه ) : أي في الطول ، ( قال ) : جابر ( ثم تأخر ) : النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( في صلاته ) : من موضعه الذي كان فيه ( فتأخرت الصفوف معه ) : مع النبي اتباعا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( ثم تقدم ) : النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ذلك المكان ( فقام في مقامه ) : السابق ( وتقدمت الصفوف ) كذلك اتباعا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وإنما كان وجه تأخره وتقدمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ رؤيته الجنة والنار ; لما أخرجه مسلم وغيره بلفظ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدتم حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفا من الجنة حين رأيتموني جعلت أتقدم ، ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا حين رأيتموني تأخرت " الحديث ( إن الشمس والقمر آيتان ) إلخ : وفي رواية أنهم قالوا : كسفت لموت إبراهيم فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا الكلام ردا عليهم .

                                                                      قال العلماء : والحكمة في هذا الكلام أن بعض الجهلة الضلال كانوا يعظمون الشمس والقمر فبين أنهما آيتان مخلوقتان لله تعالى لا صنع لهما بل هما كسائر المخلوقات يطرأ عليهما النقص والتغيير كغيرهما وكان بعض الضلال من المنجمين وغيرهم يقول لا ينكسفان إلا لموت عظيم أو نحو ذلك فبين أن هذا باطل لا يغتر بأقوالهم لا سيما وقد صادف موت إبراهيم ـ رضي الله عنه ـ فإذا رأيتم شيئا من ذلك فصلوا وفي رواية : " فإذا رأيتموها فكبروا وادعوا الله وصلوا وتصدقوا " وفيه الحث على هذه الطاعات وهو أمر استحباب .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه مسلم بطوله . [ ص: 35 ] ( يخرون ) : أي يسقطون ( فأطال ) : أي الركوع ( فأطال ) : أي القيام ( فكان أربع ركعات ) : أي ركوعات وفيه دليل لمن ذهب إلى اختيار الركوعين في كل ركعة . والحديث اختلف على جابر بن عبد الله فروى عنه عطاء كما تقدم فصلى بالناس ست ركعات وروى عنه أبو الزبير فكان أربع ركعات ، ولأجل هذا الاختلاف أورد المؤلف الروايتين معا من غير اقتصار على الرواية الثانية ، وإن كانت هي الثانية فقط مطابقة للباب والله أعلم كذا في الشرح .

                                                                      قال الفاكهاني : إن في بعض الروايات تقدير القيام الأول بنحو سورة البقرة والثاني بنحو سورة آل عمران والثالث بنحو سورة النساء والرابع بنحو سورة المائدة ، واستشكل تقدير الثالث بالنساء مع كون المختار أن يكون القيام الثالث أقصر من القيام الثاني والنساء أطول من آل عمران ، ولكن الحديث الذي ذكره غير معروف ، نعم يطول القيام الأول نحوا من سورة البقرة لحديث ابن عباس عند البخاري وغيره وأن الثاني دونه وأن القيام الأول من الركعة الثانية نحو القيام الأول وكذا الباقي ، نعم في الدارقطني من حديث عائشة أنه قرأ في الأول بالعنكبوت والروم وفي الثاني بـ " يس " ذكره القسطلاني . قال المنذري : وأخرجه مسلم والنسائي .




                                                                      الخدمات العلمية