الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          الثالث : الولي ، فلا نكاح إلا بولي ، فإن زوجت المرأة نفسها ، لم يصح ، وعنه : لها تزويج أمتها ومعتقتها ، فيخرج منه صحة تزويج نفسها بإذن وليها ، وتزويج غيرها بالوكالة ، والأول المذهب ،

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( الثالث : الولي ، فلا نكاح إلا بولي ) هذا هو المذهب المعروف للأصحاب ; لما روى أبو موسى الأشعري ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا نكاح إلا بولي رواه [ ص: 28 ] الخمسة ، وصححه ابن المديني ، وهو لنفي الحقيقة الشرعية ; بدليل ما روى سليمان بن موسى ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها ، فنكاحها باطل ، باطل ، باطل ، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي وصححه ، وادعى القاضي أنه إجماع الصحابة ، لا يقال : يمكن حمل الأول على نفي الكمال ; لأن كلام الشارع محمول على الحقائق الشرعية ، أي : لا نكاح شرعيا أو موجودا في الشرع إلا بولي .

                                                                                                                          والثاني : يدل على صحته بإذن الولي ، وأنتم لا تقولون به ، مع أن قوله تعالى فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن [ البقرة : 232 ] يدل على صحة نكاحها لنفسها ; لأنه أضافه إليهن ; ولأنه خالص حقها ، فصح منه كبيع أمتها ، قيل : لا مفهوم له ، كقوله تعالى وربائبكم اللاتي في حجوركم الآية [ النساء : 23 ] ; لأن المخاطبين بالنهي عن العضل هم الأولياء ، ونهيهم عنه دليل على اشتراطهم ; إذ العضل لغة : المنع ، وهو شامل للعضل الحسي والشرعي ; لأنه اسم جنس مضاف ، ففي ذلك دليل على أن العضل منهم يصح دون الأجانب ، ثم إن الآية نزلت في معقل بن يسار حين امتنع من تزويج أخته ، فدعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فزوجها ولو لم يكن لمعقل ولاية ، وإن الحكم متوقف عليه لما عوتب عليه ، وأما الإضافة إليهن ; فلأنهن محل له ( فإن زوجت المرأة نفسها أو غيرها ، لم يصح ) ; لعدم وجود شرطه ; ولأنها غير مأمونة على البضع ; لنقص عقلها ، وسرعة انحدارها ، فلم يجز تفويضه إليها كالبذر في المال ( وعنه : لها تزويج أمتها ) ; لأنها مالكها ، وولايتها عليها لها ، فكان لها تزويجها كالسيد [ ص: 29 ] ( ومعتقتها ) ; لأن الولاية كانت لها عليها ، فوجب استصحابها ; ولأن الولاء كالملك ، ( فيخرج منه ) أي : من هذا القول ( صحة تزويج نفسها بإذن وليها ، وتزويج غيرها بالوكالة ) ; لأنها إذا كانت أهلا لمباشرة تزويج أمتها ومعتقتها ، فلأن تكون أهلا لمباشرة وتزويج نفسها وغيرها بالوكالة بطريق الأولى ، يدل عليه أن عائشة تولت نكاح بنت أخيها عبد الرحمن ; ولأنها شخص يتصرف في ماله بنفسه ، فيتولى عقد النكاح لنفسه كالغلام ، وعنه : تزوج نفسها مطلقا ، وخصه المؤلف بحال العذر كما إذا عدم الولي أو السلطان ، واختلف في مأخذها ، فابن عقيل أخذها من قول الإمام أحمد في دهقان القرية يزوج من الأولى لها ، فهو بمنزلة حاكمها ، وغلطه الشيخ تقي الدين ، وأخذها ابن أبي موسى مما أخذه المؤلف ، واستدل له بالآية ، وبقوله : فإن طلقها ، فأباح فعلها في نفسها من غير شرط الولي ; وبدليل خطبته عليه السلام أم سلمة ، فإن أهل التاريخ قالوا : إنه كان ابن ست سنين ، ومثله لا تصح ولايته ، وقد سئل أحمد عن حديث : لا نكاح إلا بولي يثبت فيه شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا ، ثم هو محمول على نفي الكمال ، وسليمان بن موسى ضعفه البخاري ، قال في رواية المروذي : ما أراه صحيحا ; لأن عائشة فعلت بخلافه ، وقال ابن جريج : لقيت الزهري ، فسألته عنه ، فقال : لا أعرفه ، ويقويه أن الزهري قال بخلاف ذلك ، قاله أحمد ، ( والأول المذهب ) ; لما ذكرنا ، وصونا لها عن مباشرة ما يشعر بوقاحتها ورعونتها وميلها إلى الرجال ، فوجب أن لا تباشر النكاح تحصيلا لذلك ، والجواب عن الآية تقدم ، وهو نكاح البائنة في أنها لا تحل للأول إلا بعد نكاح ، وتزويجه أم سلمة كان من خصائصه ، كما لا تشترط الشهادة [ ص: 30 ] في حقه ، وحديث أبي موسى الصحيح المشهور عن إمامنا تصحيحه ، والحمل على نفي الكمال خلاف الظاهر وحديث عائشة ، فرواية سليمان بن موسى ، وهو ثقة كبير ، وقال الترمذي : لم يتكلم فيه أحد من المتقدمين إلا البخاري ; لأحاديث انفرد بها ، ومثل هذا لا يرد به الحديث ، وقد ذكر جماعة في قوله عليه السلام : أيما امرأة . . . إلى آخره لا يجوز حمله على المصير إلى البطلان ; لأن المجاز من القول لا يجوز تأكيده ، ذكره ابن قتيبة وغيره . فعلى هذا إذا تزوجت بغير إذن وليها فكفضولي ، فإن أبى فسخه حاكم ، نص عليه .

                                                                                                                          فرع : إذا حكم بصحة هذا العقد حاكم ، أو كان المتولي له حاكما ، لم يجز نقضه كسائر الأنكحة الفاسدة ، وقيل ينقض هنا ، واختاره الإصطخري ، فإن وطئ فيه ، فلا حد عليه في ظاهر كلام أحمد ; لأنه وطء مختلف في حله ، وقال ابن حامد : يجب ; لأنه وطء في نكاح منصوص على بطلانه .




                                                                                                                          الخدمات العلمية