الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع . يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وأنذرهم يوم الآزفة فيه قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنه يوم القيامة، قاله الجمهور . قال ابن قتيبة : وسميت القيامة بذلك لقربها، يقال: أزف شخوص فلان، أي: قرب .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه يوم حضور المنية، قاله قطرب .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 213 ] قوله تعالى: إذ القلوب لدى الحناجر وذلك أنها ترتقي إلى الحناجر فلا تخرج ولا تعود، هذا على القول الأول . وعلى الثاني: القلوب هي النفوس تبلغ الحناجر عند حضور المنية; قال الزجاج : و كاظمين منصوب على الحال، والحال محمولة على المعنى; لأن القلوب لا يقال لها: كاظمين، وإنما الكاظمون أصحاب القلوب; فالمعنى: إذ قلوب الناس لدى الحناجر في حال كظمهم . قال المفسرون: "كاظمين" أي: مغمومين ممتلئين خوفا وحزنا، والكاظم: الممسك للشيء على ما فيه; وقد أشرنا إلى هذا عند قوله: والكاظمين الغيظ [آل عمران: 134] .

                                                                                                                                                                                                                                      ما للظالمين يعني الكافرين من حميم أي: قريب ينفعهم ولا شفيع يطاع فيهم فتقبل شفاعته .

                                                                                                                                                                                                                                      يعلم خائنة الأعين قال ابن قتيبة : الخائنة والخيانة واحد . وللمفسرين فيها أربعة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنه الرجل يكون في القوم فتمر به المرأة فيريهم أنه يغض بصره، فإذا رأى منهم غفلة لحظ إليها، فإن خاف أن يفطنوا له غض بصره، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه نظر العين إلى ما نهي عنه، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: الغمز بالعين، قاله الضحاك والسدي . قال قتادة: هو الغمز بالعين فيما لا يحبه الله ولا يرضاه .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع: النظرة بعد النظرة، قاله ابن السائب .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وما تخفي الصدور فيه ثلاثة أقوال . أحدها: ما تضمره من الفعل أن لو قدرت على ما نظرت إليه، قاله ابن عباس . والثاني: الوسوسة، [ ص: 214 ] قاله السدي . والثالث: ما يسره القلب من أمانة أو خيانة، حكاه الماوردي .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية