الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          فصل

                                                                                                          يلزم دم التمتع والقران بطلوع فجر يوم النحر ، جزم به في الخلاف ، ورد ما نقل عن أحمد بخلافه إليه ، واختاره أبو الخطاب وغيره ، وقدمه جماعة ، لقوله { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } [ أي ] فليهد ، وحمله على أفعاله أولى من حمله على إحرامه ، لقوله { الحج عرفة } و { يوم النحر يوم الحج الأكبر } ; ولأن إحرام الحج تتعلق به صحة التمتع ، فلم يكن وقتا للوجوب كإحرام العمرة ; ولأن الهدي من جنس [ ما ] يقع به التحلل ، فكان وقت وجوبه بعد وقت الوقوف كطواف ورمي وحلق وعنه : بإحرام الحج للآية ( و هـ ش ) ولأنه غاية ، فكفى أوله . كأمره [ ص: 318 ] بإتمام الصوم إلى الليل ، وعنه : بوقوفه بعرفة ( و م ) وذكره الشيخ واختيار القاضي ، لأنه تعرض لفوات قبله ، وعنه : بإحرام العمرة ، لنيته التمتع إذن ، ويتوجه أن ينبني عليها ما إذا مات بعد سبب الوجوب يخرج عنه من تركته ، وقاله الشافعي في أظهر قوليه ، والثاني : لا يخرج شيء ، وقال بعض أصحابنا : فائدة الروايات إذا تعذر الدم وأراد الانتقال إلى الصوم فمتى ثبت التعذر فيه الروايات ، أما وقت ذبحه فجزم جماعة منهم المستوعب والرعاية أنه لا يجوز نحره قبل وقت وجوبه .

                                                                                                          وقاله القاضي وأصحابه : [ لا يجوز ] قبل فجر يوم النحر ( و هـ م ) فظاهره يجوز إذا وجب ، لقوله { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } فلو جاز قبل يوم النحر لجاز الحلق ، لوجود الغاية .

                                                                                                          وفيه نظر ; لأنه في المحصر ، وينبني على عموم المفهوم ولأنه لو جاز لنحره عليه السلام ، وصار كمن لا هدي معه .

                                                                                                          وفيه نظر ; لأنه كان مفردا أو قارنا أو كان له نية أو فعل الأفضل ; ولمنع التحلل بسوقه ، وسيأتي ، وقاسوه على الأضحية والهدي ، وهي دعوى ; ولأن جواز تقديمه يفتقر إلى دليل ، الأصل عدمه ، فإن احتج بما سبق فسبق جوابه . وإن قيل كالصوم وهو بدله قيل هذا يختص بمكان فاختص بزمن ، كطواف ورمي ووقوف ، بخلاف الصوم ، وهذا البدل يخالف الأبدال ; لأن كل وقت جاز فيه بعض البدل جاز كله

                                                                                                          وهنا [ ص: 319 ] تجوز الثلاثة لا السبعة ، وإن قيل : إنما جاز الصوم لوجود السبب ، كنظائره ، فمثله هنا ، أشكل جوابه . واختار في الانتصار : له نحره بإحرام العمرة ، وأنه أولى من الصوم ; لأنه مبدل ، وحمل رواية ابن منصور بذبحه يوم النحر على وجوبه يوم النحر .

                                                                                                          وقال الآجري : له نحره قبل خروجه يوم التروية وتأخيره إلى يوم النحر ، ونقل أبو طالب : إن قدم قبل العشر ومعه هدي نحره لا يضيع أو يموت أو يسرق . وكذا قال عطاء ، وهذا ضعيف ، ومذهب الشافعي يجوز إذا أحرم بالحج ، وظاهر مذهبه : وبعد حله من العمرة ، لا إذا أحرم بها ، فإن عدم الهدي في موضعه ولو وجده ببلده أو وجد من يقرضه ، نص عليه ، لتوقيتها ، كماء الوضوء ، بخلاف رقبة الكفارة فصيام عشرة أيام كاملة كملت الحج وأمر الهدي ، قاله أحمد ، ومعناه عن ابن عباس ، قال القاضي : كمل الله الثواب بضم سبع إلى ثلاث .

                                                                                                          وقال عن قوله " تلك عشرة " لأن الواو [ تقع و ] تكون بمعنى أو . وقيل توكيد ثلاثة في الحج ، والأشهر عن أحمد وعليه أصحابه الأفضل أن آخرها عرفة ، ( و هـ ) وعلل بالحاجة .

                                                                                                          وفيه نظر ، وأجاب القاضي بأن عدم استحباب صومه يختص بالنفل ، وعنه : يوم التروية ( و م ش ) .

                                                                                                          [ ص: 320 ] وروي عن ابن عمر وعائشة . وفي البخاري عن ابن عباس : يصوم قبل يوم عرفة ، وفي يوم عرفة لا جناح ; ولأن صومه بعرفة لا يستحب ، وله تقديمها بإحرام العمرة ، نص عليه ، وهو أشهر ; لأن العمرة سبب لوجوب صوم المتعة ; لأن إحرامها يتعلق به صحة التمتع ، فكان سببا لوجود الصوم ، كإحرام الحج ، وكل شيئين تعلق الوجوب بهما وجاز اجتماعهما كان الأول منهما سببا ، كالنصاب والحول ، والظهار والعود ، وليس صوم رمضان سببا للكفارة ، وإن لم تجب إلا به وبالجماع ; لأنه لا يجوز اجتماعهما ، قيل للقاضي : فيكون إحرامها سببا لهدي المتعة ويثبت حكمه فيها ، فأجاب : نعم ، إذا أحرم وساقه كان هدي متعة ومنعه التحلل ، ولم يجز ذبحه ، لما سبق ، كذا قال . وعن أحمد [ رحمه الله ] : بالحل من العمرة وعن أحمد : وقبل إحرامها ، والمراد في أشهر الحج ، ونقله الأثرم ، فيكون السبب ، قال ابن عقيل : أحد نسكي المتمتع فجاز تقديمها عليه ، كالحج ، قال : وقاله عطاء وطاوس ومجاهد ، ومذهب مالك والشافعي : لا يجوز حتى يحرم بالحج ، للآية ، أي في إحرام الحج لا [ في ] وقته ; لأنه لا بد معه من إحرام ، ففيه زيادة إضمار ، قال القاضي : وفي إحرامه مجاز ; لأنه فعل ، فلا يكون ظرفا لفعل ، قال : وقيل : في جوابها : إنها أفادت وجوب الصوم ، والكلام في الجواز .

                                                                                                          [ ص: 321 ] وعندنا : يجب إذا أحرم بالحج ، وقد قال أحمد في رواية ابن القاسم وشندي وسئل عن صيام المتعة : متى يجب ؟ قال : إذا عقد الإحرام ، كذا قال ، ووقت وجوب صوم الثلاثة وقت وجوب الهدي ، ذكره الأصحاب ; لأنه بدل كسائر الأبدال .

                                                                                                          وقال القاضي أيضا : لا خلاف أن الصوم يتعين قبل يوم النحر بحيث لا يجوز تأخيره إليها ، بخلاف الهدي فإذا اختلفا في وقت الوجوب جاز أن يختلفا في وقت الجواز ، ومن تتمة رواية ابن القاسم وشندي : إذا عقد الإحرام فصام أجزأه إذا كان في أشهر الحج ، وهذا يدخل على من قال لا تجزئ الكفارة إلا بعد الحنث ، ولعل هذا ينصرف ولا يحج ، قال القاضي : إذا عقد الإحرام أراد به إحرام العمرة ; لأنه شبهه بالكفارة قبل الحنث ، وإنما يصح الشبه إذا كان صومه قبل الإحرام بالحج ; لأنه قد وجد أحد السببين ، ولأنه قال : إذا عقد الإحرام في أشهر الحج ، وهذا إنما يقال في إحرام العمرة ; لأن من شرط التمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ، وذكر القاضي وأصحابه والمستوعب وغيرهم أنه إن أخرها إلى يوم النحر فقضاء ، ولعله مبني على منع صيام أيام التشريق ، وإلا كان أداء ، وسيأتي في كلام الشيخ ، في تتابع الصوم .

                                                                                                          وقاله الشافعية ، وظهر أن جواز التأخير إليها مبني عليه ، وسبق كلام القاضي ، ولعله مبني على منع صومها ، والله أعلم .

                                                                                                          وكذا تكلم الأصحاب هل يلزمه دم لتأخيره عن وقت وجوبه ؟ وسيأتي . وفي كلامهم من النظر ما لا يخفى . والثاني هو الصحيح . ويعمل بظنه في عجزه ، ويلزم الشافعية أن .

                                                                                                          [ ص: 322 ] يجب تقديم إحرام الحج ليصومها فيه . وحكى بعضهم وجها : يجب ، وفي التشريق خلاف ، وسبق في صوم التطوع . وأما السبعة فلا يجوز صومها في التشريق ، نص عليه ، وعليه الأصحاب ، لبقاء أعمال [ من ] الحج قال بعض الشافعية : بلا خلاف ، وحكى بعضهم قولا للشافعي : يجوز إذا رجع من منى إلى مكة ، ويأتي كلام القاضي فيمن قدر على الهدي في الصوم ويجوز بعد التشريق ، نص عليه ( و هـ م ) والمراد ما قاله القاضي . وقد طاف ، يعني طواف الزيارة ، للآية ، والمراد : رجعتم من عمل الحج ; لأنه المذكور ومعتبر لجواز الصوم ; ولأنه لزمه ، وإنما أخره تحقيقا كتأخير رمضان لسفر ومرض ، ومنع المخالف لزومه قبل عوده إلى وطنه ، واحتج القاضي بحجة ضعيفة ، لكن وجد سببه فجاز على أصلنا ، كما سبق ، وعلى هذا لا يصير قوله عليه السلام { وسبعة إذا رجع إلى أهله } أي يجب إذن ، وأجاب القاضي : يحتمل أنه أراد إذا ابتدأ بالرجوع إلى أهله . وللشافعي كقولنا ، وظاهر مذهبه : بعد رجوعه إلى وطنه ، قيل : وفي الطريق . فلو توطن مكة بعد فراغه من [ ص: 323 ] الحج صام بها وإلا لم يجز ، فإن لم يجز صوم الثلاثة في التشريق أو جاز ولم يصمها صام بعد ذلك العشرة ( و م ش ) لوجوبه ، فقضاه بفواته ، كرمضان ; ولأنه معلق بشرط ، كصوم الظهار لو مسها لم يسقط ; ولأنه أحد موجبي المتعة ، كالهدي . ولأن القضاء بالأمر الأول ، في الأشهر عندنا . ولا تلزم الجمعة إذا فات وقتها ; لأنها الأصل ، وعند أبي حنيفة لا يصوم ويستقر الهدي ، روي عن ابن عمر وابن عباس وطاوس ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير ، ثم هل يلزمه دم ؟ فيه روايات ، والترجيح مختلف . إحداهن : يلزمه لتأخيره ; لأنه صوم مؤقت بدل ، كقضاء رمضان ، بخلاف صوم الظهار فإنه غير مؤقت ، وصوم رمضان أصل ; ولأنه نسك واجب أخره عن وقته ، كرمي الجمار . والثانية : لا ( و م ش ) وعلله في الخلاف بأنه نسك أخره إلى وقت جواز فعله ، كالوقوف إلى الليل والطواف والحلق عن التشريق ، كذا قال . والثالثة : لا يلزمه مع عذر ( م 2 وم 3 ) وفي الانتصار : يحتمل أن .

                                                                                                          [ ص: 324 ] يهدي فقط قادر إن اعتبر في الكفارة بالأغلظ ، وأما إن صام أيام التشريق وجاز فلا دم ، جزم به جماعة منهم الشيخ والرعاية ولعله مراد القاضي وأصحابه والمستوعب وغيرهم بتأخير الصوم عن أيام الحج .

                                                                                                          [ ص: 323 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 323 ] مسألة 2 ) قوله : فإن لم يجز صوم الثلاثة في التشريق أو جاز ولم يصمها صام بعد ذلك العشرة ثم هل يلزمه دم ؟ فيه روايات ، والترجيح مختلف ، إحداهن يلزمه لتأخيره . والثانية لا والثالثة لا يلزمه مع عذر ، انتهى .

                                                                                                          اشتمل كلامه على مسألتين : ( مسألة 2 ) المعذور . و ( مسألة 3 ) غيره . وفي مجموعهما ثلاث روايات ، أطلقهن في المستوعب والكافي والشرح والرعايتين والحاويين والزركشي وغيرهم ، وأطلق الخلاف في غير المعذور في [ ص: 324 ] الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والتلخيص وغيرهم : إحداهن عليه دم ، وهو الصحيح ، جزم به في الإفادات والمنور ، واختاره الخرقي ، وقدمه في المقنع والمحرر والفائق وغيرهم ، والرواية الثانية لا يلزمه ، اختاره أبو الخطاب ، قال الزركشي : وهي التي نصها القاضي في تعليقه . والرواية الثالثة لا يلزمه مع العذر ، اختارها القاضي في المجرد ، وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والتلخيص في المعذور دون غيره ، وقدم ابن منجى في شرحه وجوب الدم إذا أخره لغير عذر ، وأطلق الخلاف في المعذور .

                                                                                                          ( تنبيه ) : قوله بعد إطلاق الروايات " والترجيح مختلف " تحصيل الحاصل ; لأنه قد ذكر في خطبة الكتاب إذا اختلف الترجيح أطلقت الخلاف ، وتقدم مثل ذلك في باب زكاة الفطر ، وتقدم الجواب عن ذلك وغيره في مقدمة الكتاب .




                                                                                                          الخدمات العلمية