الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                فصل وقد قال الله تعالى في آية الخمس : { فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين } ومثل ذلك في آية الفيء . وقال في آية الصدقات : { للفقراء والمساكين والعاملين عليها } الآية فأطلق الله ذكر الأصناف ; وليس في اللفظ ما يدل على التسوية بل على خلافها فمن أوجب باللفظ التسوية فقد قال ما يخالف الكتاب والسنة ألا ترى أن الله لما قال : { ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } وقال تعالى : { وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل } وقال تعالى : { وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه } وقال تعالى : { والذين في أموالهم حق معلوم } { للسائل والمحروم } وقال تعالى : { فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر } وأمثال ذلك لم تكن التسوية في شيء من هذه المواضع واجبة ؟ بل ولا مستحبة في أكثر هذه المواضع سواء كان الإعطاء واجبا أو مستحبا بل بحسب المصلحة .

                ونحن إذا قلنا في الهدي والأضحية : يستحب أن يأكل ثلثا ويتصدق بثلث ; فإنما ذلك إذا لم يكن هناك سبب يوجب التفضيل ; وإلا فلو قدر كثرة الفقراء لاستحببنا الصدقة بأكثر من الثلث وكذلك إذا قدر كثرة من يهدي إليه على الفقراء ; وكذلك الأكل . فحيث كان الأخذ بالحاجة أو المنفعة كان الاعتبار بالحاجة والمنفعة بحسب ما يقع بخلاف المواريث فإنها قسمت بالأنساب التي لا يختلف فيها أهلها فإن اسم الابن يتناول الكبير والصغير والقوي والضعيف ولم يكن الأخذ لا لحاجته ولا لمنفعته ; بل لمجرد نسبه ; فلهذا سوى فيها بين الجنس الواحد .

                وأما هذه المواضع فالأخذ فيها بالحاجة والمنفعة ; فلا يجوز أن تكون التسوية بين الأصناف واجبة ولا مستحبة ; بل العطاء بحسب الحاجة والمنفعة كما كان أصل الاستحقاق معلقا بذلك والواو تقتضي [ ص: 259 ] التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه في الحكم المذكور والمذكور أنه لا يستحق الصدقة إلا هؤلاء فيشتركون في أنها حلال لهم وليس إذا اشتركوا في الحكم المذكور وهو مطلق الحل يشتركون في التسوية فإن اللفظ لا يدل على هذا بحال .

                ومثله يقال في كلام الواقف والموصي وكان بعض الواقفين قد وقف على المدرس والمعيد والقيم والفقهاء والمتفقهة ; وجرى الكلام في ذلك فقلنا : يعطي بحسب المصلحة فطلب المدرس الخمس بناء على هذا الظن ; فقيل له : فأعطي القيم أيضا الخمس لأنه نظير المدرس فظهر بطلان حجته . آخره والحمد لله رب العالمين .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية