الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              2159 (21) باب الهدي للمتمتع والقارن

                                                                                              [ 1099 ] عن ابن عمر قال: تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى وساق معه الهدي من ذي الحليفة ، وبدأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج ، وتمتع الناس مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعمرة إلى الحج. فكان من الناس من أهدى فساق الهدي. ومنهم من لم يهد ، فلما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة قال للناس: من كان منكم أهدى ، فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ، ومن لم يكن منكم أهدى ، فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر ، وليحلل، ثم ليهل بالحج وليهد . فمن لم يجد هديا ، فليصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله ، وطاف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قدم مكة ، واستلم الركن أول شيء، ثم خب ثلاثة أطواف من السبع ، ومشى أربعة أطواف، ثم ركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين، ثم سلم فانصرف ، فأتى الصفا ، فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف، ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ، ونحر هديه يوم النحر ، وأفاض فطاف بالبيت، ثم حل من كل شيء حرم منه ، وفعل مثل ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهدى فساق الهدي من الناس .

                                                                                              رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227)، وأبو داود (1805)، والنسائي (5 \ 151 و 152 ) .

                                                                                              [ ص: 352 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 352 ] (21) ومن باب : الهدي للمتمتع والقارن

                                                                                              قول ابن عمر : ( تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ) هذا الذي روي هنا عن ابن عمر : من أنه - صلى الله عليه وسلم - تمتع ، مخالف لما جاء عنه في الرواية الأخرى من أنه أفرد الحج . واضطراب قوليه يدل على أنه لم يكن عنده من تحقيق الأمر ما كان عند من جزم بالأمر ، كما فعل أنس على ما تقدم ; حيث قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : (لبيك بحجة وعمرة) .

                                                                                              ثم اعلم : أن كل الرواة الذين رووا إحرام النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس منهم من قال : إنه - صلى الله عليه وسلم - حل من إحرامه ذلك حتى فرغ من عمل الحج ، وإن كان قد أطلق عليه لفظ التمتع ، بل قد قال ابن عمر في هذا الحديث : إنه - صلى الله عليه وسلم - بدأ بالعمرة ، ثم أهل بالحج ، ولم يقل : إنه حل من عمرته ، بل قال في آخر الحديث : بعد أن فرغ من طواف القدوم ، أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يحلل من شيء حرم عليه حتى قضى حجه . وهذا نص في أنه لم يكن متمتعا . فتعين تأويل قوله : تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيحتمل أن يكون معناه : قرن ; لأن القارن يترفه بإسقاط أحد العملين ، وهو الذي يدل عليه قوله بعد هذا : فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج ، ويحتمل أن يكون معناه : أنه - صلى الله عليه وسلم - لما أذن في التمتع أضافه إليه ، وفيه بعد .

                                                                                              وقوله : ( فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج ) ; ظاهره : أنه أردف . وظاهر حديث [ ص: 353 ] أنس : أنه قرنهما معا . فإنه حكى فيه لفظه فقال : سمعته يقول : (لبيك عمرة وحجا) ، وقد استحب مالك للقارن أن يقدم العمرة في لفظه ; اقتداء بهذه الأخبار .

                                                                                              وقوله للمتمتعين : ( فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج ، وسبعة إذا رجع ) هذا نص ما تضمنته آية المتعة . وقد اختلف في مواضع منها :

                                                                                              أولها : قوله : فما استيسر من الهدي ذهب جماعة من السلف إلى أنه شاة ، وهو قول مالك . وقالت جماعة أخرى : هو بقرة دون بقرة ، وبدنة دون بدنة . وقيل : المراد بدنة ، أو بقرة ، أو شاة ، أو شرك في دم .

                                                                                              وقوله : ( فليصم ثلاثة أيام في الحج ) ذهب مالك والشافعي إلى أن ذلك لا يكون إلا بعد الإحرام بالحج ، وهو مقتضى الآية والحديث ، وقال أبو حنيفة والثوري : يصح صوم الثلاثة الأيام بعد الإحرام بالعمرة ، وقبل الإحرام بالحج ، ولا يصومها بعد أيام الحج ، وهو مخالف لنص الكتاب والسنة. والاختيار عندنا : تقديم صومها في أول الإحرام ، وآخر وقتها : آخر أيام التشريق عندنا ، وعند الشافعي . فمن فاته صومها في هذه الأيام صامها عندنا بعد . وقال أبو حنيفة : آخر وقتها يوم عرفة ، فمن لم يصمها إلى يوم عرفة فلا صيام عليه ، ووجب عليه الهدي . وقال مثله الثوري ; إذا ترك صيامها أيام الحج . وللشافعي قول كقول أبي حنيفة .

                                                                                              [ ص: 354 ] وقوله : ( وسبعة أيام إذا رجع ) ; حمله مالك والشافعي في أحد قوليهما على الرجوع من منى ، وأنه يصومها إن شاء بمكة ، أو ببلده. وهو قول أبي حنيفة . وللشافعي ومالك قول آخر : إنه الرجوع إلى بلده ، ولا يصومها حتى يرجع إلى أهله .




                                                                                              الخدمات العلمية