الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1927 - مسألة : وينفق الرجل والمرأة على مماليكهما من العبيد والإماء ، أن يطعمه شبعه مما يأكله أهل بلده ويكسوه مما يطرد عنه الحر والبرد ، ولا يكون به مثلة بين الناس ، لكن مما يلبس مثل ذلك المكسو في ذلك البلد مما تجوز فيه الصلاة ، ويستر العورة .

                                                                                                                                                                                          وفرض عليه - مع ذلك - أن يطعمه مما يأكل - ولو لقمة - وأن يكسوه مما يلبس - ولو في العيد - ويجبر السيد على ذلك ، فإن أبى ، أو أعسر : بيع من ماله ما ينفق به على [ ص: 262 ] من ذكرنا في الإباية - وأما في العسر : فيباع عليه العبد والأمة إن لم يكن بأيديهما عمل يكون له أجرة يقوم منها مؤنته ، فإنه يؤاجر حينئذ ولا يباع - ولا تعتق أم الولد من عدم النفقة ، لكن يجبر كما قلنا إن كان له مال ، فإن لم يكن له مال كلفت ما يكلف فقراء المسلمين .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك - : ما رويناه من طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر نا شعبة عن واصل الأحدب عن المعرور بن سويد : أن أبا ذر أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم عليه } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم نا هارون بن معروف نا حاتم بن إسماعيل عن يعقوب بن مجاهد عن أبي حزرة القاص عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت : أن أبا اليسر قال له : إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في الرقيق { أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون } .

                                                                                                                                                                                          قال : أبو اليسر " فكان أن أعطيته من متاع الدنيا أهون علي من أن يأخذ من حسناتي يوم القيامة " فهذا أبو اليسر يرى هذا الأمر فرضا .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح نا ابن وهب أرنا عمرو بن الحارث أن بكير بن الأشج حدثه عن العجلان مولى فاطمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال { للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق البخاري نا حفص بن عمر - هو الحوضي - نا شعبة عن محمد بن زياد قال : سمعت أبا هريرة يقول عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : { إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فليؤاكله أكلة أو أكلتين ; أو لقمة أو لقمتين ، فإنه ولي حره وعلاجه } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : هذه الأحاديث تجمع ما قلنا ، وقد صح نهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المثلة - وأما قولنا : إنه إن غاب أو أبى بيع عليه من ماله ، فلقول الله عز وجل { كونوا قوامين بالقسط } وكل ما لزمت المسلم نفقته فقد وجب له حق في ماله ، ففرض علينا إيصاله إليه ، وتوفيته إياه ، فإذا لم يقدر على ذلك إلا ببيع [ ص: 263 ] عرض أو عقار : بيع ذلك ، لقول الله عز وجل : { وأحل الله البيع } فمن لم يبع من مال من عليه حق ما يوصله به العبد أو غيره إلى حقه ، فقد عصى الله تعالى في قوله عز وجل { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } ومن أبر البر إيفاء ذي الحق حقه ، ومن الإثم والعدوان منع ذي الحق حقه .

                                                                                                                                                                                          وأما بيع المملوك إن لم يكن لسيده مال ينفق منه عليه ، ولا كان بيد العبد عمل يؤاجر به ، أو مؤاجرة المملوك إن كان بيده عمل تقوم منه نفقته وكسوته ، فلما قد ذكرنا قبل من أن أبا طيبة كان لمواليه عليه خراج بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه أمرهم أن يخفوا عنه من خراجه .

                                                                                                                                                                                          ورويناه من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا ليث - هو ابن سعد - عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال : { أعتق رجل من بني عذرة عبدا له عن دبر ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : ألك مال غيره ؟ قال : لا ، قال : من يشتريه مني ؟ فاشتراه نعيم بن النحام بثمانمائة درهم فدفعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليه وقال له : ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا يقول فيمن بين يديك وعن يمينك وعن شمالك } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : كل ما رواه الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر فقد سمعه أبو الزبير من جابر كما نا يوسف بن عبد الله النمري نا عبد الله بن محمد بن يوسف نا إسحاق بن محمد نا العقيلي نا محمد بن إسماعيل نا الحسن بن علي الحلواني نا سعيد بن أبي مريم نا الليث بن سعد قال : " قدمت على أبي الزبير فدفع إلي كتابين فسألته كل هذا سمعته من جابر بن عبد الله ؟ فقال : منه ما سمعت ، ومنه ما حدثت ، فقلت : أعلم لي على كل ما سمعت منه ؟ فأعلم لي على هذا الذي عندي " .

                                                                                                                                                                                          وقد قال قوم : لم بعتم العبد إذا أعسر السيد بنفقته ، أو بنفقة أهله ، أو بنفقة نفسه - ولم تطلقوا الزوجة ، ولم تعتقوا أم الولد بعدم النفقة ؟ قلنا : حق من له النفقة عليه واجب في ماله وعبده ، وأمته ، مال من ماله فيباعان في كل حق عليه ليعطى كل ذي حق حقه كما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [ ص: 264 ] وكما قال عز وجل { ولا تبخسوا الناس أشياءهم } ومن منع أحدا نفقته الواجبة له فقد بخس شيئا هو له - وأما الزوجة وأم الولد فليستا مالا من ماله لكن حقهما في ماله فإن لم يكن له مال فحقهما في مال أنفسهما فإن لم يكن لهما مال فحقهما في سهم المساكين والفقراء من الصدقات بنص القرآن لأنهما حينئذ من جملة المساكين أو الفقراء ، يعلم ذلك بالمشاهدة ، فأي وجه للطلاق والعتق هاهنا ؟ لو أنصف المعاندون أنفسهم ؟ .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية