الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 396 ] فصل

                وقد يقع بعض من غلب عليه الحال في نوع من الحلول أو الاتحاد ; فإن الاتحاد فيه حق وباطل لكن لما ورد عليه ما غيب عقله أو أفناه عما سوى محبوبه ولم يكن ذلك بذنب منه : كان معذورا غير معاقب عليه ما دام غير عاقل فإن القلم رفع عن المجنون حتى يفيق ; وإن كان مخطئا في ذلك كان داخلا في قوله : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } وقال : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به } .

                وهذا كما يحكى أن رجلين كان أحدهما يحب الآخر فوقع المحبوب في اليم فألقى الآخر نفسه خلفه . فقال : أنا وقعت فما الذي أوقعك ؟ فقال : غبت بك عني فظننت أنك أني .

                فهذه الحال تعتري كثيرا من أهل المحبة والإرادة في جانب الحق وفي غير جانبه وإن كان فيها نقص وخطأ فإنه يغيب بمحبوبه عن حبه وعن نفسه وبمذكوره عن ذكره وبمعروفه عن عرفانه وبمشهوده عن شهوده وبموجوده عن وجوده فلا يشعر حينئذ بالتمييز ولا بوجوده ; فقد يقول في هذه الحال : أنا الحق أو سبحاني أو ما في الجبة إلا الله ونحو ذلك وهو سكران بوجد المحبة الذي هو لذة وسرور بلا تمييز .

                [ ص: 397 ] وذلك السكران : يطوى ولا يروى إذا لم يكن سكره بسبب محظور .

                فأما إذا كان السبب محظورا : لم يكن السكران معذورا .

                وأما أهل الحلول : فمنهم من يغلب عليه شهود القلب وتجليه حتى يتوهم أنه رأى الله بعيني رأسه .

                ولهذا ذكر ذلك طائفة من العباد الأصحاء غلطا منهم .

                وقد ثبت في صحيح مسلم عن النواس بن سمعان : { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الدجال ودعواه الربوبية قال : واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت } وروي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أخرى متعددة حسنة في حديث الدجال .

                فإنه لما ادعى الربوبية ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فرقانين ظاهرين لكل أحد .

                أحدهما : أنه أعور والله ليس بأعور .

                الثاني : أن أحدا منا لن يرى ربه حتى يموت وهذا إنما ذكره في الدجال مع كونه كافرا ; لأنه يظهر عليه من الخوارق التي تقوي الشبهة في قلوب العامة .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية