الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إبدال الرسول بالنبي وعكسه .

(

676 ) وإن رسول بنبي أبدلا فالظاهر المنع كعكس فعلا      ( 677 ) وقد رجا جوازه ابن حنبل
والنووي صوبه وهو جلي

.

الفصل الثاني عشر : ( إبدال الرسول بالنبي وعكسه ) .

( وإن رسول ) وقع في الرواية بأن قيل : رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بنبي ) أي : بلفظ النبي ( أبدلا ) وقت التحمل أو الأداء أو الكتابة ، ( فالظاهر المنع ) منه ، والتقيد بما في الرواية ( كعكس فعلا ) بأن يبدل ما الرواية فيه بلفظ النبي برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن جازت الرواية بالمعنى ; لأن المعنى هنا مختلف . يعني بناء على القول بعدم تساوي مفهوميهما .

وقد كان الإمام أحمد بن [ ص: 204 ] حنبل فيما رواه عنه ابنه عبد الله إذا سمع من لفظ المحدث " رسول الله " ضرب من كتابه " نبي الله " ، وكتب ذلك بدله ، لكن قال الخطيب : إن ذلك ليس على وجه اللزوم ، بل على الاستحباب في اتباع المحدث في لفظه .

( وقد رجا جوازه ابن حنبل ) نفسه حيث قال - إذ سأله ابنه صالح أنه يكون في الحديث " رسول الله " فيجعل الإنسان بدله " النبي " - : أرجو ألا يكون به بأس . وكذا جوزه حماد بن سلمة ، بل قال لعفان وبهز لما جعلا يغيران " النبي " - يعني الواقع في الكتاب - بـ " رسول الله " - يعني الواقع من المحدث - : أما أنتما فلا تفقهان أبدا .

والإمام ( النووي ) بالسكون ، أيضا ( صوبه ) أي الجواز ( وهو جلي ) واضح ، بل قال بعض المتأخرين : إنه لا ينبغي أن يختلف فيه . وقول ابن الصلاح : إن المعنى فيهما مختلف . لا يمنعه ، فإن المقصود إسناد الحديث إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو حاصل بكل واحد من الصفتين ، وليس الباب باب تعبد باللفظ لا سيما إذا قلنا : إن الرسالة والنبوة بمعنى واحد .

وعن البدر بن جماعة أنه لو قيل بالجواز في إبدال النبي بالرسول خاصة لما بعد ; لأن في الرسول معنى زائدا على النبي وهو الرسالة ، إذ كل رسول نبي ولا عكس ، وبيانه أن النبوة من النبأ ، وهو الخبر ، فالنبي في العرف هو المنبأ من جهة الله بأمر يقتضي تكليفا ، فإن [ ص: 205 ] أمر بتبليغه إلى غيره فهو رسول ، وإلا فهو نبي غير رسول .

وحينئذ فالنبي والرسول اشتركا في أمر عام وهو النبأ ، وافترقا في الرسالة ، فإذا قلت : فلان رسول . تضمن أنه نبي رسول ، وإذا قلت : فلان نبي . لم يستلزم أنه رسول .

ولكن قد نازع ابن الجزري في قولهم : كل رسول نبي . حيث قال : هو كلام يطلقه من لا تحقيق عنده ، فإن جبريل عليه السلام وغيره من الملائكة المكرمين بالرسالة رسل لا أنبياء . قلت : ولذا قيد الفرق بين الرسول والنبي بالرسول البشري .

وحديث البراء في تعلم ما يقال عند النوم ، إذ رد النبي صلى الله عليه وسلم عليه إبداله لفظ " النبي " بـ " الرسول " ، فقال : ( لا ، ونبيك الذي أرسلت ) يمنع القول بجواز تغيير " النبي " خاصة ، بل الاستدلال به لمجرد المنع ممنوع بأن ألفاظ الأذكار توقيفية ، فلا يدخلها القياس ، بل تجب المحافظة على اللفظ الذي جاءت به الرواية ، إذ ربما كان فيه خاصية وسر لا يحصل بغيره ، أو لعله أراد أن يجمع بين الوصفين في موضع واحد .

ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم نبي مرسل ، فهو إذن أكمل فائدة ، وذلك يفوت بقوله : ( وبرسولك الذي أرسلت ) . وأيضا فالبلاغة مقتضية لذلك لعدم تكرير اللفظ لوصف واحد فيه . زاد بعضهم : أو لاختلاف المعنى ; لأن ( برسولك ) يدخل جبريل وغيره من الملائكة الذين ليسوا بأنبياء .

التالي السابق


الخدمات العلمية