الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          فصل .

                                                                                                          وإن أحرم مطلقا ، بأن نوى نفس الإحرام ولم يعين نسكا صح ( و ) كإحرامه بمثل إحرام فلان ، ثم يجعله ما شاء ، نص عليه ( و هـ م ) بالنية لا باللفظ ، ولا يجزئه العمل قبل النية ، كابتداء الإحرام ، وقال الحنفية : فإن طاف شوطا كان للعمرة ; لأنه ركن فيه ، فكان أهم ، وكذا لو أحصر أو جامع ; لأنه أقل ، وإن وقف بعرفة كان للحج ، كذا قالوا .

                                                                                                          وقال أحمد أيضا : يجعله عمرة ، كإحرامه بمثل إحرام فلان . وقاله القاضي إن كان في غير أشهره ، وذكر غيره أنه أولى ، كابتداء إحرام الحج في غيرها .

                                                                                                          [ ص: 334 ] على ما سبق . وقال الشافعية : إن جعله حجا بعد دخول أشهره لم يجزئ في الأصح ، بناء على انعقاده عمرة لا مبهما .

                                                                                                          وفي الرعاية : إن شرطنا تعيين ما أحرم به بطل المطلق ، كذا قال . وإن أبهم إحرامه فأحرم بما أحرم به فلان أو بمثله صح ، لخبر جابر { أن عليا قدم من اليمن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بم أهللت ؟ قال : بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال فاهد وامكث حراما } وفي خبر أنس : { أهللت بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم } . وعن أبي موسى { أنه أحرم كذلك قال سقت من هدي ؟ قال : لا ، قال : فطف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل } متفق عليهما ، فإن علم انعقد بمثله ، فإن كان مطلقا فكما سبق ، فظاهره لا يلزمه صرفه إلى ما يصرف إليه ، كظاهر مذهب الشافعي ، ولا إلى ما كان صرفه إليه ، كأصح الوجهين لهم ، وأطلق بعض أصحابنا احتمالين ، وظاهر كلام أصحابنا : يعمل بقوله لا بما وقع في نفسه ، وللشافعية وجهان ، وإن كان إحرامه فاسدا فيتوجه الخلاف لنا وللشافعية فيما إذا نذر عبادة فاسدة هل تنعقد بصحيحة ؟ وإن جهله فكمنسي على ما يأتي .

                                                                                                          وقال الحنفية : يجعل نفسه قارنا ، وكذا عندنا إن شك هل أحرم ، ذكره في الكافي ، والأشهر كما لو لم يحرم ، فيكون إحرامه مطلقا ، وظاهره : ولو علم بأنه لم يحرم ، كظاهر مذهب الشافعي ، لجزمه بالإحرام ، بخلاف : إن كان محرما فقد أحرمت ، فلم يكن محرما . ولو قال : إن أحرم [ ص: 335 ] زيد فأنا محرم ، فيتوجه أن لا يصح ( و ) ولو قال : أحرمت يوما أو بنصف نسك ونحوهما فيتوجه خلاف ، أو يصح ، كالشافعية ، وإن أحرم بنسك ونسيه جعله عمرة ، نقله أبو داود ، كما لو نذر الإحرام بنسك ونسيه ; لأنها اليقين . احتج به القاضي وابن عقيل وغيرهما ، ومرادهم : له جعله عمرة ، لا تعيينها ، وعنه : ما شاء ، جزم به القاضي وجماعة ، وحمل نص أحمد على الندب . وأطلق جماعة : هل يجعله ما شاء أو عمرة ؟ على وجهين : فإن عينه بقران صح حجه ، وقيل : يلزمه دم قران ، احتياطا ، وقيل : وتصح عمرته ، بناء على إدخال العمرة على الحج لحاجة ، فيلزمه دم قران ، وإن عينه بتمتع فكفسخ حج إلى عمرة ، ويلزمه دم المتعة ويجزئه عنهما . وإن كان شكه بعد طواف العمرة جعله عمرة ، لامتناع إدخال الحج إذن لمن لا هدي معه ، فإذا سعى وحلق فمع بقاء وقت الوقوف يحرم بالحج ويتمه ويجزئه ، ويلزمه دم للحلق في غير وقته إن كان حاجا ، وإلا فدم متعة . وإن كان شكه بعد طواف العمرة وجعله حجا أو قرانا تحلل بفعل الحج ولم يجزئه واحد منهما ، للشك ، لأنه يحتمل أن المنسي عمرة ، .

                                                                                                          [ ص: 336 ] فلا يصح إدخاله عليها بعد طوافها ، ويحتمل أنه حج فلا يصح إدخالها عليه ، ولا دم ولا قضاء ، للشك في سببهما ، وقال الشافعية : إن أحرم بنسك ونسيه جعله قرانا ، في الجديد ، فيتمه ويجزئه عن الحج ، ولا يجزئه عن العمرة ، في الأصح ، إلا إن جاز إدخالها على الحج فيلزمه دم القران إذن ، وإلا فلا ، في الأصح ، قال أصحابه : ولم يذكر الشافعي القران ; لأنه لا بد منه ، فلو جعله [ حجا وأتى بعمله أجزأه ، وإن جعل عمرة ] وأتى بأعمال القران أجزأه عنها إن جاز إدخالها على الحج ، ولو لم يجعله شيئا وأتى بعمل الحج تحلل ولم يجزئه واحد منهما لشكه فيما أتى به ، ولو أتى بعمل العمرة لم يتحلل لاحتمال أنه أحرم بحج ولم يتم عمله . وإن عرض شكه بعد الوقوف وقبل الطواف أجزأه الحج إن وقف ثانيا لاحتمال أنه كان معتمرا ، فلا يجزئه ذلك الوقوف عن الحج ، وإن عرض بعد الطواف وقبل الوقوف فنوى قارنا وأتى بعمله لم يجزئه عن حج ولا عمرة .

                                                                                                          وقال جماعة منهم : يتم أعمال العمرة ومنها الحلق أو التقصير ثم يحرم بالحج ، ويأتي به فيصح حجه . قال أكثرهم : إن فعل هذا صح حجه . ولا نفتيه به ، لاحتمال أنه كان محرما بحج ، وإن هذا الحلق في غير وقته . وقال بعضهم : يباح بالعذر ، قالوا : ويلزم غير المكي دم عن الواجب عليه .

                                                                                                          [ ص: 337 ] ولا يعين جهته ; لأنه إن كان معتمرا فدم متعة ، وإلا فقد حلق في غير وقته ، فإن عجز صام كمتمتع ، ولا يعين الجهة في صيام ثلاثة ، فإن صام ثلاثة فقط ففي براءة ذمته وجهان ، وكذا إن عرض الشك بعد الطواف والوقوف .

                                                                                                          وفي القديم : يتحرى ويعمل بظنه ، والأصح : يجزئه .

                                                                                                          وقال الحنفية : إن أحرم بنسك ونسيه أو شك فيه قبل أن يأتي بفعل من أفعاله وتحرى فلم يظهر له لزمه أن يكون قارنا ، احتياطا

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية