الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 4168 ]

                                                                                                                                                                                        [ ص: 4169 ] كتاب بيع الآجال

                                                                                                                                                                                        النسخ المقابل عليها

                                                                                                                                                                                        1 - (ف) نسخة فرنسا رقم (1071)

                                                                                                                                                                                        2 - (ت) نسخة تازة رقم (234 & 243) [ ص: 4170 ]

                                                                                                                                                                                        [ ص: 4171 ]

                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم وبه استعين

                                                                                                                                                                                        كتاب بيع الآجال

                                                                                                                                                                                        باب في بيوع الآجال وما يجوز منها وما يمنع

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن باع من رجل سلعة بمائة إلى شهر ثم اشتراها منه بخمسين نقدا، أو مائة وخمسين إلى شهرين: لم يجز؛ لأنهما يتهمان أن يكونا عملا على ذلك وأظهرا البيع وعقدا على دفع خمسين في المائة، أو مائة في مائة وخمسين.

                                                                                                                                                                                        ويجوز أن يشتريها بمثل الثمن نقدا، أو إلى أجل أبعد من الأجل، أو إلى مثل الأجل بأكثر من الثمن أو أقل، فمتى استوى الثمن لم يراع الأجل، أو اتفق الأجل لم يراع اختلاف الثمن من باب القلة والكثرة.

                                                                                                                                                                                        وإن اختلف جنسه، فكان أحدهما دنانير والآخر دراهم، أو محمدية ويزيدية صحت تارة، وفسدت تارة.

                                                                                                                                                                                        ولا تخلو البيعتان من أن يكونا نقدا، أو إلى أجل، أو أحدهما نقدا والآخر [ ص: 4172 ] إلى أجل، فإن كانتا نقدا حملا على الجواز إلا أن يكونا ممن عرف بالعينة.

                                                                                                                                                                                        قال أصبغ في كتاب محمد: وإن كان أحدهما من أهل العينة فهما من أهل العينة؛ لأن الآخر يعامله عليها. يريد: ما لم يكن الآخر من أهل الدين والفضل، فلا يحمل عليه أنه عامله عليها.

                                                                                                                                                                                        وإن كانت البيعتان إلى أجل، أو الأولى إلى أجل، والثانية نقدا حملا على العينة، واختلف إذا كانت الأولى نقدا، والثانية إلى أجل:

                                                                                                                                                                                        فحملها مالك في كتاب محمد على بيع الآجال، وقال ابن القاسم وأشهب: إذا كانت الأولى نقدا فلا بأس أن يبيعها البائع بأكثر إلى أجل قبل أن ينقد، أو بعد أن نقد.

                                                                                                                                                                                        واختلف في وجه المنع في بيوع الآجال:

                                                                                                                                                                                        فقال أبو الفرج: لأن أكثر معاملات من أراد الربا على ذلك. وذهب محمد بن مسلمة في مختصر ما ليس في المختصر إلى أن ذلك حماية لئلا يتذرع الناس إلى الربا؛ لأنه قال: يفسخ إذا كانت السلعة قائمة، وإن فاتت لم ترد لفسخ ولا قيمة، قال: لأني لا أدري أراد الرغبة والندامة أو تعمد الحرام فأمضى البيعتين على ما هما عليه بعد الفوت.

                                                                                                                                                                                        وعلى قول أبي الفرج ينظر في ذلك فإن كانت عادتهم التعمد للفساد حملا عليه، وإن لم تكن لهم فيه عادة مضى بيعهما، وإن اختلفت العادة فكان بعضهم يعمل على الفساد، وبعضهم على الصحة فسخ بيع من يرى أنه لم يعمل على [ ص: 4173 ] فساد حماية، وإن كان من أهل الدين والفضل.

                                                                                                                                                                                        فعلى هذا يحمل قول عائشة - رضي الله عنها - لأم ولد زيد بن أرقم، وقد باعت من زيد عبدا بثمانمائة درهم إلى العطاء، ثم اشترته منه بستمائة نقدا، فقالت لها عائشة: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت، أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله إن لم يتب.

                                                                                                                                                                                        تريد لأنه ممن يقتدى به فخشيت أن يفتح على الناس من ذلك باب فساد فيصير سنة، فإن لم يرجع بعد ما بينت له خشيت أن يكون ما كتب له من الأجر في الجهاد يؤخذ فيما يدخل عليه من الإثم في ذلك.

                                                                                                                                                                                        وقد قال - صلى الله عليه وسلم: "من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".

                                                                                                                                                                                        وليس لأن زيدا يتهم أن يعمد إلى التحيل بمثل ذلك ليتوصل إلى الربا، ألا ترى أن مبايعته كانت مع أم ولده وهو قادر على أن ينتزع مالها.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية