الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      والأنعام وهي الأزواج الثمانية من الإبل، والبقر، والضأن، والمعز، قال الراغب : ولا يقال أنعام إلا إذا كان فيها إبل، وخصها بعضهم هنا بذلك وليس بشيء، والنصب على المفعولية لفعل مضمر يفسره قوله تعالى: خلقها وهو أرجح من الرفع في مثل هذا الموضع لتقدم الفعلية وقرئ به في الشواذ أو على العطف على الإنسان وما [ ص: 98 ] بعد بيان ما خلق لأجله والذي بعده تفصيل لذلك، وقوله سبحانه: لكم إما متعلق- بخلقها- وقوله تعالى: فيها خبر مقدم وقوله جل وعلا: دفء مبتدأ مؤخر والجملة حال من المفعول أو الجار والمجرور الأول خبر للمبتدأ المذكور والثاني متعلق بما فيه من معنى الاستقرار، وقيل: حال من الضمير المستكن فيه العائد على المبتدأ، وقيل: حال من «دفء» إذ لو تأخر لكان صفة، وجوز أبو البقاء أن يكون الثاني هو الخبر والأول في موضع الحال من مبتدئه، وتعقبه أبو حيان بأن هذا لا يجوز لأن الحال إذا كان العامل فيها معنى لا يجوز تقديمها على الجملة بأسرها فلا يجوز قائما في الدار زيد فإن تأخرت الحال عن الجملة جازت بلا خلاف وإن توسطت فالأخفش على الجواز والجمهور على المنع، وجوز أبو البقاء أيضا أن يرتفع دفء - بلكم- أو- بفيها- والجملة كلها حال من الضمير المنصوب، وتعقبه أبو حيان أيضا بأن ذلك لا يعد من قبيل الجملة بل هو من قبيل المفرد، ونقل أنهم جوزوا أن يكون ( لكم ) متعلقا- بخلقها- وجملة فيها دفء استئناف لذكر منافع الأنعام، واستظهر كون جملة لكم فيها دفء مستأنفة، ثم قال: ويؤيد الاستئناف فيها الاستئناف في مقابلتها أعني قوله تعالى: ولكم فيها جمال فقابل سبحانه المنفعة الضرورية بالمنفعة الغير الضرورية، وإلى نحو ذلك ذهب القطب فاختار أن الكلام قد تم عند خلقها لهذا العطف وخالفه في ذلك صاحب الكشف فقال: إن قوله تعالى: خلقها لكم بناء على تفسير الزمخشري له بقوله: ما خلقها إلا لكم ولمصالحكم يا جنس الإنسان طرف من ترشيح المعنى الثاني في قوله سبحانه: فإذا هو خصيم مبين لما في الالتفات المشار إليه من الدلالة عليه، وأما الحصر المشار إليه بقوله: ما خلقها إلا لكم فمن اللام المفيدة للاختصاص سيما وقد نوع الخطاب بما يفيد زيادة التمييز والاختصاص، وهذا أولى من جعل (لكم فيها دفء) مقابل (لكم فيها جمال) لإفادته المعنى الثاني وأبلغ على أنه يكون فيها دفء تفصيلا للأول وكرر ( لكم ) في الثاني لبعد العهد وزيادة التقريع اه، والحق في دعوى أولوية تعلق ( لكم ) بما قبله معه كما لا يخفى، والدفء اسم لما يدفأ به أي يسخن، وتقول العرب: دفئ يومنا فهو دفيء إذا حصلت فيه سخونة ودفئ الرجل دفاء ودفاء بالفتح والكسر ورجل دفآن وامرأة دفأى ويجمع الدفء على أدفاء، والمراد به ما يعم اللباس والبيت الذي يتخذ من أوبارها وأصوافها، وفسره ابن عباس فيما أخرجه عنه ابن جرير وغيره بالثياب.

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق وغيره عنه رضي الله تعالى عنه أيضا أنه نسل كل دابة، ونقله الأموي عن لغة بعض العرب والظاهر هو الأول. وقرأ الزهري وأبو جعفر «(دف)» بضم الفاء وشدها وتنوينها، ووجه ذلك في البحر بأنه نقل الحركة من الهمزة إلى الفاء وحذفت ثم شدد الفاء إجراء للوصول مجرى الوقف إذ يجوز تشديدها في الوقف.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما «دف» بنقل الحركة والحذف دون تشديد، وفي اللوامح قرأ الزهري «دف» بضم الفاء من غير همزة وهي محركة بحركتها، ومنهم من يعوض عن هذه الهمزة فيشدد الفاء وهو أحد وجهي حمزة بن حبيب وقفا. واعترض بأن التشديد وقفا لغة مستقلة وإن لم يكن ثمة حذف من الكلمة الموقوف عليها ودفع بأنه إنما يكون ذلك إذا وقف على آخر حرف منها أما إذا وقف على ما قبل الآخر منها كقاض فلا.

                                                                                                                                                                                                                                      ومنافع هي درها وركوبها والحراثة بها والنضح عليها وغير ذلك، وإنما عبر عنها بها ليشمل الكل مع أنه الأنسب بمقام الامتنان بالنعم، وقدم الدفء رعاية لأسلوب الترقي إلى الأعلى ومنها تأكلون أي تأكلون ما يؤكل منها من اللحوم والشحوم ونحو ذلك- فمن- تبعيضية، والأكل إما على معناه المتبادر وإما بمعنى التناول [ ص: 99 ] الشامل للشرب فيدخل في العد الألبان، وجوز أن تكون من ابتدائية وأن تكون للتبعيض مجازا أو سببية أي تأكلون ما يحصل بسببها فإن الحبوب والثمار المأكولة تكتسب باكتراء الإبل مثلا وأثمان نتاجها وألبانها وجلودها والأول أظهر وأدخل ما يحصل من اكترائها من الإجارة التي يتوصل بها إلى مصالح كثيرة في المنافع، وتغيير النظم الجليل قيل للإيماء إلى أنها لا تبقى عند الأكل كما في السابق واللاحق فإن الدفء والمنافع التي أشرنا إليها والجمال يحصل منها وهي باقية على حالها ولذلك جعلت محال لها بخلاف الأكل، وتقديم الظرف للحصر على معنى أن الأكل منها هو المعتاد المعتمد في المعاش من بين سائر الحيوانات فلا يرد الأكل من الدجاج والبط وصيد البر والبحر فإنه من قبيل التفكه، وكذا لا يرد أكل لحم الخيل عند من أباحه لأنه ليس من المعتاد المعتمد أيضا، والحاصل أن الحصر إضافي وبذلك لا يرد أيضا أكل الخبز والبقول ونحوها، ويضم إلى هذا الوجه في التقديم رعاية الفواصل، وجعله لمجرد ذلك كما في الكشف قصور، وأبو حيان ينكر كون التقديم مطلقا للحصر فينحصر وجهه هنا حينئذ في الرعاية المذكورة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية