الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  الماجشون ، عن أسماء .

                                                                  ( 284 ) حدثنا أحمد بن عمرو الخلال المكي ، ثنا يعقوب بن حميد ، ثنا يوسف بن الماجشون ، عن أبيه ، عن أسماء بنت أبي بكر ، قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتينا بمكة كل يوم مرتين ، فلما كان يوما من ذلك جاءنا في الظهيرة ، فقلت : يا أبة ، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : بأبي وأمي ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " هل شعرت أن الله قد أذن لي في الخروج ؟ " فقال أبو بكر : فالصحابة يا رسول الله ، قال : " الصحابة " فقال أبو بكر : إن عندي لراحلتين قد علفتهما منذ كذا وكذا انتظارا لهذا اليوم ، فخذ إحداهما ، فقال : " بثمنها يا أبا بكر " قال : بثمنها بأبي أنت وأمي إن شئت ، قالت : فهيأنا لهم سفرة ، ثم قطعت نطاقها فربطتها ببعضه فخرجا فمكثا في الغار في جبل ثور ، فلما انتهيا إليه دخل أبو [ ص: 107 ] بكر الغار قبله ، فلم يترك فيه جحرا إلا أدخل فيه أصبعه مخافة أن يكون فيه هامة ، وخرجت قريش حين فقدوهما في بغائهما ، وجعلوا في النبي صلى الله عليه وسلم مائة ناقة ، وخرجوا يطوفون في جبال مكة حتى انتهوا إلى الجبل الذي هما فيه ، فقال أبو بكر لرجل يراه مواجه الغار : يا رسول الله إنه ليرانا ، فقال : " كلا إن ملائكة تسترنا بأجنحتها " فجلس ذلك الرجل فبال مواجه الغار فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لو كان يرانا ما فعل هذا " فمكثا ثلاث ليال يروح عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر غنما لأبي بكر ، ويدلج من عندهما ، فيصبح مع الرعاة في مراعها ، ويروح معهم ويتطأطأ في المشي حتى إذا أظلم انصرف بغنمه إليهما ، فيظن الرعاة أنه معهم ، وعبد الله بن أبي بكر يظل بمكة يبطش الأخبار ، ثم يأتيهما إذا أظلم فيخبرهما ، ثم يدلج من عندهما فيصبح بمكة كبائت ، ثم خرجا من الغار فأخذا على الساحل فجعل أبو بكر يسير أمامه ، فإذا خشي أن يؤتى من خلفه سار خلفه فلم يزل كذلك مسيره ، وكان أبو بكر رجلا معروفا في الناس ، فإذا لقيه لاق قال لأبي بكر : من هذا معك ؟ فيقول : هاد يهديني ، يريد الهداية في الدين ويحسبه الآخر دليلا ، حتى إذا كانا بأبيات قديد وكان على طريقهما على الساحل جاء إنسان إلى مجلس بني مدلج ، فقال : قد رأيت راكبين نحو الساحل ، فإني أرى أحدهما لصاحب قريش الذي يبغون ، فقال سراقة بن مالك : ذانك راكبان ممن بعثنا في طلبه [ يواس ] القوم ، ثم دعا جاريته فسارها فأمرها أن تخرج بفرسه وتحط رمحه ولا تنصبه حتى يأتيه في قراره بموضوع كذا وكذا ، ثم يجيئها فركب فرسه ثم خرج في آثارهما ، فقال سراقة : فدنوت منهما حتى إني لأسمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ركضت [ ص: 108 ] الفرس فوقعت بمنخرها ، فأخرجت قداحا في كنانتي فضربت بها أضره أم لا أضره فخرج لا تضره ، فأبت نفسي حتى اتبعته ، فأدركته بمثل ذلك الموضع ، فوقعت الفرس فاستخرجت يده مرة أخرى ، فضربت بالقداح أضره أم لا أضره فخرج لا تضره ، فأبت نفسي حتى إذا كنت بمثل ذلك الموضع خشيت أن يصيبني مثل ما أصابني فناديته فقلت : إني أرى سيكون لك شأنا فقف أكلمك ، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يكتب له أمانا ، فأمره أن يكتب له فكتب له ، قال سراقة : فلما كان يوم حنين جئت بالكتاب فأخرجته وناديت أنا سراقة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يوم وفاء " قال سراقة : فما شبهت ساقه في غرره إلا الجمار فذكرت له شيئا أسأله ، فقلت : يا رسول الله إني رجل ذو نعم ، وإن الحياض تملأ من الماء فيشرب فيفضل من الماء في الحياض فيرد الهمل ، فهل لي في ذلك من أجر ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " نعم في كل كبد حرى أجر " .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية