الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 15 ] وسئل : عن الاجتهاد ; والاستدلال : والتقليد ; والاتباع ؟

                التالي السابق


                . ( فأجاب : أما التقليد الباطل المذموم فهو : قبول قول الغير بلا حجة قال الله تعالى : { وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون } في البقرة وفي المائدة وفي لقمان { أولو كان الشيطان يدعوهم } وفي الزخرف : { قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم } وفي الصافات : { إنهم ألفوا آباءهم ضالين } { فهم على آثارهم يهرعون } وقال : { يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا } { وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا } الآيات .

                وقال : { إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب } وقال : { فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار } وفي الآية الأخرى : { من عذاب الله من شيء } وقال : { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم }

                . فهذا الاتباع والتقليد الذي ذمه الله هو اتباع الهوى إما للعادة والنسب كاتباع الآباء وإما للرئاسة كاتباع الأكابر والسادة والمتكبرين فهذا مثل تقليد الرجل لأبيه أو سيده أو ذي سلطانه وهذا يكون لمن لم يستقل بنفسه وهو الصغير : فإن دينه دين أمه فإن فقدت فدين ملكه وأبيه : فإن فقد كاللقيط فدين المتولي عليه وهو أهل البلد الذي هو فيه فأما إذا بلغ وأعرب لسانه فإما شاكرا وإما كفورا .

                وقد بين الله أن الواجب الإعراض عن هذا التقليد إلى اتباع ما أنزل الله على رسله ; فإنهم حجة الله التي أعذر بها إلى خلقه .

                والكلام في التقليد في شيئين : في كونه حقا ; أو باطلا من جهة الدلالة . وفي كونه مشروعا ; أو غير مشروع من جهة الحكم .

                أما الأول فإن التقليد المذكور لا يفيد علما ؟ فإن المقلد يجوز أن يكون مقلده مصيبا : ويجوز أن يكون مخطئا وهو لا يعلم أمصيب هو أم مخطئ ؟ فلا تحصل له ثقة ولا طمأنينة فإن علم أن مقلده مصيب [ ص: 17 ] كتقليد الرسول أو أهل الإجماع فقد قلده بحجة وهو العلم بأنه عالم وليس هو التقليد المذكور وهذا التقليد واجب ; للعلم بأن الرسول معصوم ; وأهل الإجماع معصومون .

                وأما تقليد العالم حيث يجوز فهو بمنزلة اتباع الأدلة المتغلبة على الظن . كخبر الواحد والقياس ; لأن المقلد يغلب على ظنه إصابة العالم المجتهد كما يغلب على ظنه صدق المخبر لكن بين اتباع الراوي والرأي فرق يذكر إن شاء الله في موضع آخر .

                فإن اتباع الراوي واجب لأنه انفرد بعلم ما أخبر به : بخلاف الرأي فإنه يمكن أن يعلم من حيث علم ولأن غلط الرواية بعيد ; فإن ضبطها سهل ; ولهذا نقل عن النساء والعامة بخلاف غلط الرأي فإنه كثير ; لدقة طرقه وكثرتها وهذا هو العرف لمن يجوز قبول الخبر مع إمكان مراجعة المخبر عنه ولا يجوز قبول المعنى مع إمكان معرفة الدليل .

                وأما العرف الأول فمتفق عليه بين أهل العلم ; ولهذا يوجبون اتباع الخبر ولا يوجب أحد تقليد العالم على من أمكنه الاستدلال وإنما يختلفون في جوازه ; لأنه يمكنه أن يعلم من حيث علم فهذه جملة .

                [ ص: 18 ] وأما تفصيلها فنقول : الناس في الاستدلال والتقليد على طرفي نقيض منهم من يوجب الاستدلال حتى في المسائل الدقيقة : أصولها وفروعها على كل أحد . ومنهم من يحرم الاستدلال في الدقيق على كل أحد وهذا في الأصول والفروع وخيار الأمور أوساطها .




                الخدمات العلمية