الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        وهذه المقدمة فيها فوائد :

        الأولى : في حد علم الحديث وما يتبعه : قال ابن الأكفاني في كتاب إرشاد القاصد ، الذي تكلم فيه على أنواع العلوم : علم الحديث الخاص بالرواية : علم يشتمل على نقل أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله ، وروايتها ، وضبطها ، وتحرير [ ص: 26 ] ألفاظها .

        وعلم الحديث الخاص بالدراية : علم يعرف منه حقيقة الرواية ؛ وشروطها ، وأنواعها ، وأحكامها ، وحال الرواة ، وشروطهم ، وأصناف المرويات ، وما يتعلق بها . انتهى .

        فحقيقة الرواية : نقل السنة ونحوها وإسناد ذلك إلى من عزي إليه بتحديث أو إخبار أو غير ذلك ، وشروطها : تحمل راويها لما يرويه بنوع من أنواع التحمل ، من سماع أو عرض أو إجازة ونحوها . وأنواعها : الاتصال والانقطاع ونحوهما . وأحكامها : القبول والرد . وحال الرواة : العدالة والجرح ، وشروطهم في التحمل وفي الأداء كما سيأتي .

        وأصناف المرويات : المصنفات من المسانيد والمعاجم والأجزاء وغيرها ، أحاديث وآثارا وغيرهما ، وما يتعلق بها : هو معرفة اصطلاح أهلها .

        وقال الشيخ عز الدين بن جماعة : علم الحديث : علم بقوانين يعرف بها أحوال السند والمتن .

        وموضوعه : السند والمتن .

        وغايته : معرفة الصحيح من غيره .

        وقال شيخ الإسلام أبو الفضل بن حجر : أولى التعاريف له أن يقال : معرفة القواعد والمعرفة بحال الراوي والمروي ، قال : وإن شئت حذفت لفظ " معرفة " فقلت القواعد إلى آخره .

        وقال الكرماني في شرح البخاري : واعلم أن الحديث [ ص: 27 ] موضوعه ذات رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث إنه رسول الله .

        وحده : هو علم يعرف به أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأحواله .

        وغايته : هو الفوز بسعادة الدارين .

        وهذا الحد مع شموله لعلم الاستنباط غير محرر ، ولم يزل شيخنا العلامة محيي الدين الكافيجي يتعجب من قوله : إن موضوع علم الحديث ذات الرسول ، ويقول : هذا موضوع الطب لا موضوع الحديث .

        وأما السند فقال البدر بن جماعة والطيبي : هو الإخبار عن طريق المتن .

        قال ابن جماعة : وأخذه إما من السند ، وهو ما ارتفع وعلا من سفح الجبل ؛ لأن المسند يرفعه إلى قائله ، أو من قولهم : فلان سند ، أي معتمد ، فسمى الإخبار عن طريق المتن سندا لاعتماد الحفاظ في صحة الحديث وضعفه عليه .

        وأما الإسناد فهو رفع الحديث إلى قائله .

        [ ص: 28 ] قال الطيبي : وهما متقاربان في معنى اعتماد الحفاظ في صحة الحديث وضعفه عليهما .

        وقال ابن جماعة : المحدثون يستعملون السند والإسناد لشيء واحد .

        وأما المسند بفتح النون فله اعتبارات : أحدها : الحديث الآتي تعريفه في النوع الرابع من كلام المصنف .

        الثاني : الكتاب الذي جمع فيه ما أسنده الصحابة ، أي رووه ، فهو اسم مفعول .

        الثالث : أن يطلق ويراد به الإسناد ، فيكون مصدرا ، كمسند الشهاب ، ومسند الفردوس : أي أسانيد أحاديثهما .

        وأما المتن فهو : ألفاظ الحديث التي تتقوم بها المعاني ، قاله الطيبي .

        وقال ابن جماعة : هو ما ينتهي إليه غاية السند من الكلام ، وأخذه إما من المماتنة ، وهي : المباعدة في الغاية ؛ لأنه غاية السند ، أو من متنت الكبش : إذا شققت جلدة بيضته واستخرجتها ، فكأن المسند استخرج المتن بسنده ؛ أو من المتن وهو : ما صلب وارتفع من الأرض ؛ لأن المسند يقويه بالسند ويرفعه إلى قائله ؛ أو من تمتن القوس أي شدها بالعصب ؛ لأن المسند يقوي الحديث بسنده .

        [ ص: 29 ] وأما الحديث فأصله : ضد القديم ، وقد استعمل في قليل الخبر وكثيره ؛ لأنه يحدث شيئا فشيئا .

        وقال شيخ الإسلام ابن حجر في شرح البخاري : المراد بالحديث في عرف الشرع : ما يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وكأنه أريد به مقابلة القرآن لأنه قديم .

        وقال الطيبي : الحديث أعم من أن يكون قول النبي صلى الله عليه وسلم والصحابي والتابعي وفعلهم وتقريرهم .

        وقال شيخ الإسلام في شرح النخبة : الخبر عند علماء الفن مرادف للحديث ، فيطلقان على المرفوع وعلى الموقوف والمقطوع .

        وقيل : الحديث ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والخبر ما جاء عن غيره ، ومن ثم قيل لمن يشتغل بالسنة : محدث ، وبالتواريخ ونحوها أخباري .

        وقيل : بينهما عموم وخصوص مطلق ، فكل حديث خبر ولا عكس .

        وقيل : لا يطلق الحديث على غير المرفوع إلا بشرط التقييد .

        وقد ذكر المصنف في النوع السابع : أن المحدثين يسمون المرفوع والموقوف بالأثر ، وأن فقهاء خراسان يسمون الموقوف بالأثر والمرفوع بالخبر . ويقال : أثرت الحديث بمعنى رويته ، ويسمى المحدث أثريا نسبة للأثر .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية