الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 45 ] ومن سورة " الحمد "

                                                                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                        قوله - عز وجل -: الحمد لله رب العالمين ؛ معنى " الحمد " : الشكر؛ والثناء على الله (تعالى)؛ الحمد ؛ رفع بالابتداء ، وقوله: لله ؛ إخبار عن الحمد؛ والاختيار في الكلام الرفع ، فأما القرآن فلا يقرأ فيه الحمد ؛ إلا بالرفع ، لأن السنة تتبع في القرآن ، ولا يلتفت فيه إلى غير الرواية الصحيحة التي قد قرأ بها القراء المشهورون بالضبط والثقة ، والرفع القراءة ، ويجوز في الكلام أن تقول: " الحمد " ؛ تريد: " أحمد الله الحمد " ؛ فاستغنيت عن ذكر "أحمد" ؛ لأن حال الحمد يجب أن يكون عليها الخلق ، إلا أن الرفع أحسن؛ وأبلغ في الثناء على الله - عز وجل -؛ وقد روي عن قوم من العرب: " الحمد لله " ؛ و " الحمد لله " ، وهذه لغة من لا يلتفت إليه؛ ولا يتشاغل بالرواية عنه؛ وإنما تشاغلنا نحن برواية هذا الحرف؛ لنحذر الناس من أن يستعملوه ، [ ص: 46 ] أو يظن جاهل أنه يجوز في كتاب الله - عز وجل - ، أو في كلام ، ولم يأت لهذا نظير في كلام العرب؛ ولا وجه له.

                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: رب العالمين ؛ قد فسرنا أنه لا يجوز في القرآن إلا: رب العالمين الرحمن الرحيم ؛ وإن كان الرفع والنصب جائزين في الكلام ، ولا يتخير لكتاب الله - عز وجل - إلا اللفظ الأفضل الأجزل.

                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: العالمين ؛ معناه: كل ما خلق الله ، كما قال: " وهو رب كل شيء " ؛ وهو جمع " عالم " ، تقول: " هؤلاء عالمون " ، و " رأيت عالمين " ، ولا واحد ل " عالم " ؛ من لفظه؛ لأن " عالما " ؛ جمع لأشياء مختلفة ، وإن جعل " عالم " ؛ لواحد منها؛ صار جمعا لأشياء متفقة؛ والنون فتحت في " العالمين " ؛ لأنها نون الجماعة؛ وزعم سيبويه أنها فتحت ليفرق بينها وبين نون الاثنين ، تقول: " هذان عالمان يا هذا " ، فتكسر نون الاثنين لالتقاء الساكنين ، وهذا يشرح في موضعه - إن شاء الله - ، وكذلك نون الجماعة فتحت لالتقاء الساكنين ، ولم تكسر لثقل الكسرة بعد الواو؛ والياء؛ ألا ترى أنك تقول: " سوف أفعل " ؛ فتفتح الفاء من " سوف " ؛ لالتقاء الساكنين؛ ولم تكسر لثقل الكسرة بعد الواو؟ وكذلك تقول: " أين زيد؟ " ؛ فتفتح النون لالتقاء الساكنين بعد الياء.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية