الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
الوجه الأول من وجوه الإعجاز الوجه الأول من وجوه إعجازه وكيف لا وقد احتوى على علوم ومعارف لم يجمعها كتاب من الكتب، ولا أحاط بعلمها أحد في كلمات قليلة وأحرف معدودة. قال تعالى: ما فرطنا في الكتاب من شيء . وقال: ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء . وقال - صلى الله عليه وسلم -: ستكون فتن. قيل: وما المخرج منها، قال: كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم. أخرجه الترمذي وغيره. وأخرج سعيد بن منصور، عن ابن مسعود، قال: من أراد العلم فعليه بالقرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين. [ ص: 13 ] قال البيهقي: يعني أصول العلم. وأخرج البيهقي عن الحسن، قال: أنزل الله مائة كتاب وأربعة كتب، أودع علومها أربعة منها: التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان، ثم أودع علوم الثلاثة في الفرقان. وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: جميع ما تقوله الأمة شرح للسنة، وجميع السنة شرح للقرآن. وقال أيضا: جميع ما حكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو مما فهمه من القرآن. ويؤيده قوله - صلى الله عليه وسلم -: " إني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه، ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه ". أخرجه بهذا اللفظ الشافعي في الأم. وقال سعيد بن جبير: ما بلغني حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على وجه إلا وجدت مصداقه في كتاب الله. وقال ابن مسعود: إذا حدثتكم بحديث أنبأتكم بتصديقه من كتاب الله. أخرجهما ابن أبي حاتم. وقال الشافعي أيضا: ليست تنزل بأحد في الدين نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها. فإن قيل: من الأحكام ما ثبت ابتداء بالسنة، قلنا: ذلك مأخوذ من كتاب الله في الحقيقة، لأن كتاب الله أوجب علينا اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وفرض علينا الأخذ بقوله. وقال الشافعي مرة بمكة: سلوني عما شئتم أخبركم عنه من كتاب الله. فقيل له: ما تقول في المحرم يقتل الزنبور، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا . وحدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، عن [ ص: 14 ] حذيفة بن اليمان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر. وحدثنا سفيان عن مسر بن كدام، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن عمر بن الخطاب: أنه أمر بقتل المحرم الزنبور. وأخرج البخاري عن ابن مسعود أنه قال: لعن الله الواشمة والمستوشمة، والمتنمصات والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله. فبلغ ذلك امرأة من بني أسد، فقالت له: بلغني أنك لعنت كيت وكيت! فقال: وما لي لا ألعن من لعنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في كتاب الله، فقالت: "قد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول". قال: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه. أما قرأت: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا . قالت: بلى. قال: فإنه قد نهى عنه. وحكى ابن سراقة في كتاب الإعجاز عن أبي بكر بن مجاهد، أنه قال: ما شيء في العالم إلا وهو في كتاب الله عز وجل، فقيل: فأين ذكر الخانات، قال في قوله عز وجل: ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم . فهي الخانات. وقال ابن برجان: ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - من شيء فهو في القرآن أو فيه أصله قرب أو بعد، فهمه من فهمه، وعمي عنه من عمي، وكذا كل ما حكم أو قضى به، وإنما يدركه الطالب من ذلك بقدر اجتهاده وبذل وسعه ومقدار فهمه. وقال غيره: ما من شيء إلا يمكن استخراجه من القرآن لمن فهمه الله، حتى إن بعضهم استنبط عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثا وستين سنة من قوله في سورة المنافقين: ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها . فإنها رأس ثلاث وستين سورة وأعقبها بالتغابن في فقده. وقال ابن أبي الفضل المرسي: جمع القرآن علوم الأولين والآخرين بحيث لم يحط بها علما حقيقة إلا واهبها والمتكلم بها، ثم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما خلا ما استأثر به [ ص: 15 ] سبحانه، ثم ورث عنه معظم ذلك سادات الصحابة وأعلامهم، مثل الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، حتى قال: لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله. ثم ورث عنهم التابعون بإحسان، ثم تقاصرت الهمم، وفترت العزائم، وتضاءل أهل العلم، وضعفوا عن حمل ما حمله الصحابة والتابعون من علومه وسائر فنونه، فنوعوا علومه، وقامت كل طائفة بفن من فنونه، فاعتنى قوم بضبط لغاته، وتحرير كلماته، ومعرفة مخارج حروفه، وعد كلماته وآياته وسوره، وأحزابه، وأنصافه وأرباعه، وعدد سجداته، والتعليم عند كل عشر آيات، إلى غير ذلك، من حصر الكلمات المتشابهة، والآيات المتماثلة، من غير تعرض لمعانيه، ولا تدبر لما أودع فيه، فسموا القراء. واعتنى النحاة بالمعرب منه والمبني من الأسماء والأفعال، والحروف العاملة وغيرها، وأوسعوا الكلام في الأسماء وتوابعها، وضروب الأفعال واللازم والمتعدي، ورسوم خط الكلمات، وجميع ما تعلق به، حتى إن بعضهم أعرب مشكله، وبعضهم أعربه كلمة كلمة. واعتنى المفسرون بألفاظه، فوجدوا منه لفظا يدل على معنى واحد، ولفظا يدل على معنيين، ولفظا يدل على أكثر، فأجروا الأول على حكمه، وأوضحوا معنى الخفي منه، وخاضوا في ترجيح أحد محتملات ذي المعنيين والمعاني، وأعمل كل فكره، وقال بمقتضى نظره. واعتنى الأصوليون بما فيه من الأدلة العقلية، والشواهد الأصلية والنظرية، مثل قوله: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا . إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة، فاستنبطوا منه أدلة على وحدانية الله ووجوده، وقدمه، وبقائه، وقدرته وعلمه، وتنزهه عما لا يليق به، وسموا هذا العلم بأصول الدين. وتأملت طائفة منهم معاني خطابه، فرأت منها ما يقتضي العموم، ومنها ما [ ص: 16 ] يقتضي الخصوص إلى غير ذلك، فاستنبطوا منها أحكام اللغات من الحقيقة والمجاز، وتكلموا في التخصيص والإخبار، والنص والظاهر والمجمل، والمحكم والمتشابه، والأمر والنهي، والنسخ، إلى غير ذلك من أنواع الأقيسة، واستصحاب الحال والاستقراء، وسموا هذا الفن أصول الفقه. وأحكمت طائفة صحيح النظر وصادق الفكر فيما فيه من الحلال والحرام، وسائر الأحكام، فأسسوا أصوله، وفرعوا فروعه، وبسطوا القول في ذلك بسطا حسنا، وسموه بعم الفروع وبالفقه أيضا. وتلمحت طائفة ما فيه من قصص القرون السابقة والأمم الخالية، ونقلوا أخبارهم، ودونوا آثارهم ووقائعهم حتى ذكروا بدء الدنيا وأول الأشياء، وسموا ذلك بالتاريخ والقصص. وتنبه آخرون لما فيه من الحكم والأمثال والمواعظ التي تقلقل قلوب الرجال، وتكاد تدكدك الجبال، فاستنبطوا مما فيه من الوعد والوعيد، والتحذير والتبشير، وذكر الموت والمعاد، والنشر والحشر، والحساب والعقاب، والجنة والنار، فصولا من المواعظ، وأصولا من الزواجر، فسموا بذلك الخطباء والوعاظ. واستنبط قوم مما فيه من أصول التعبير مثل ما ورد في قصة يوسف في البقرات السمان، وفي منامي صاحبي السجن، وفي رؤياه الشمس والقمر والنجوم ساجدة، وسموه تعبير الرؤيا، واستنبطوا تفسير كل رؤيا من الكتاب، فإن عز عليهم إخراجها منه فمن السنة التي هي شارحة للكتاب، فإن عسر فمن الحكم والأمثال، ثم نظروا إلى اصطلاح العوام في مخاطباتهم وعرف عاداتهم الذي أشار إليه القرآن بقوله: وأمر بالعرف . وأخذ قوم ما في آية المواريث من ذكر السهام وأربابها وغير ذلك، وسموه الفرائض، واستنبطوا منها من ذكر النصف والثلث والربع والسدس والثمن حساب الفرائض ومسائل العول، واستخرجوا منه أحكام الوصايا. [ ص: 17 ] ونظر قوم إلى ما فيه من الآيات الدالة على الحكم الباهرة، في الليل والنهار، والشمس والقمر ومنازله، والنجوم والبروج، وغير ذلك، فاستخرجوا منه المواقيت. ونظر الكتاب والشعراء إلى ما فيه من جزالة اللفظ، وبديع النظم، وحسن السياق، والمبادي والمقاطع، والخالص، والتلوين في الخطاب، والإطناب والإيجاز، وغير ذلك، فاستنبطوا منه المعاني والبيان والبديع. ونظر فيه أرباب الإشارات وأصحاب الحقيقة فلاح لهم من ألفاظه معان ودقائق جعلوا لها أعلاما اصطلحوا عليها، مثل الفناء والبقاء والحضور، والخوف، والهيبة، والأنس والوحشة، والقبض والبسط، وما أشبه ذلك - هذه الفنون التي أخذتها الملة الإسلامية منه. وقد احتوى على علوم أخر من علوم الأوائل، مثل، الطب، والجدل، والهيئة، والهندسة، والجبر، والمقابلة، والنجامة، وغير ذلك. أما الطب فمداره على حفظ نظام الصحة واستحكام القوة، وذلك إنما يكون باعتدال المزاج بتفاعل الكيفيات المتضادة. وقد جمع ذلك في آية واحدة، وهي قوله: وكان بين ذلك قواما . وعرفنا فيه بما يفيد نظام الصحة بعد اختلاله، وحدوث الشفاء للبدن بعد اعتلاله في قوله: شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس . ثم زاد على طلب الأجساد طب القلوب وشفاء الصدور. وأما الهيئة ففي تضاعيف سوره من الآيات التي ذكر فيها ملكوت السماوات والأرض وما بث فيها في العالم العلوي والسفلي من المخلوقات. وأما الهندسة ففي قوله:انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب. .. الآية. وأما الجدل فقد حوت آياته من البراهين والمقدمات والنتائج، والقول [ ص: 18 ] بالموجب والمعارضة، وغير ذلك، شيئا كثيرا. ومناظرة إبراهيم نمرود ومحاجته قومه أصل في ذلك عظيم. وأما الجبر والمقابلة فقد قيل: إن أوائل السور فيها ذكر مدد وأيام وأعوام لتواريخ أمم سالفة، وإن فيها تاريخ بقاء هذه الأمة، وتاريخ مدة الدنيا، وما مضى، وما بقي، مضروب بعضها في بعض. وأما النجامة ففي قوله: أو أثارة من علم . وقد فسره بذلك ابن عباس. وفيه أصول الصنائع وأسماء الآلات التي تدعو الضرورة إليها، كالخياطة في قوله: وطفقا يخصفان عليهما . والحدادة: آتوني زبر الحديد . وألنا له الحديد . والبناء في آيات. والنجارة: واصنع الفلك بأعيننا . والغزل: نقضت غزلها . والنسج: كمثل العنكبوت اتخذت بيتا . والفلاحة: أفرأيتم ما تحرثون . والصيد في آيات، والغوص: كل بناء وغواص . وتستخرجوا منه حلية تلبسونها . والصياغة: واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار . والزجاجة: صرح ممرد من قوارير . مصباح المصباح في زجاجة . والفخارة: فأوقد لي يا هامان على الطين . والملاحة: أما السفينة . والكتابة: علم بالقلم . والخبز: أحمل فوق رأسي خبزا والطبخ: بعجل حنيذ والغسل: وثيابك فطهر . والقصارة: قال الحواريون ، وهم القصارون. والجزارة: إلا ما ذكيتم . والبيع والشراء في آيات. ، الصبغ: صبغة الله . جدد بيض وحمر . والحجارة: وتنحتون من الجبال بيوتا [ ص: 19 ] والكيالة والوزن في آيات. والرمي: وما رميت إذ رميت . وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة . وفيه من أسماء الآلات وضروب المأكولات والمشروبات والمنكوحات، وجميع ما وقع ويقع في الكائنات ما يحقق معنى قوله تعالى: ما فرطنا في الكتاب من شيء . انتهى من كتاب المرسي ملخصا. وقال ابن سراقة في وجوه إعجاز القرآن: ما ذكر الله فيه من أعداد الحساب والجمع والقسمة والضرب، والموافقة والتأليف، والمناسبة والتصنيف، والمضاعفة، ليعلم بذلك أهل العلم بالحساب أنه - صلى الله عليه وسلم - صادق في قوله: إن القرآن ليس من عنده، إذ لم يكن ممن خالط الفلاسفة ولا تلقى أهل الحساب وأهل الهندسة. وقال الراغب: إن الله تعالى كما جعل نبوءة النبيين بنبينا ومولانا محمد - صلى الله عليه وسلم - مختتمة وشرائعهم بشرعته من وجه منتسخة، ومن وجه متممة مكملة جعل كتابه المنزل عليه متضمنا لثمرة كتبه التي أولها: أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون. وقوله: يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة . وجعل من معجزة هذا الكتاب أنه - مع قلة الحجم - متضمن للمعنى الجم، بحيث تقصر الألباب البشرية عن إحصائه، والآلات الدنيوية عن استيفائه، كما نبه عليه بقوله: ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله . فهو وإن كان لا يخلو الناظر فيه من نور ما يوريه ونفح ما يوليه:

كالبدر من حيث التفت رأيته ... يهدي إلى عينيك نورا ثاقبا     كالشمس في كبد السماء وضوءها
... يغشى البلاد مشارقا ومغاربا

وأخرج أبو نعيم وغيره عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، قال: قيل لموسى عليه السلام: يا موسى، إنما مثل كتاب أحمد في الكتب المنزلة بمنزلة وعاء فيه لبن كلما مخضته أخرجت زبدته. [ ص: 20 ] وقال القاضي أبو بكر بن العربي في قانون التأويل: علوم القرآن خمسون علما وأربعمائة وسبعة آلاف وسبعون ألف، على عدد كلم القرآن مضروبة في أربعة، إذ لكل كلمة ظهر وبطن، وحد ومقطع. وهذا مطلق دون اعتبار تركيب وما بينهما من روابط، وهذا مما لا يحصى ولا يعلمه إلا الله. وأتم علوم القرآن ثلاثة: توحيد. وتذكير. وأحكام. فالتوحيد يدخل فيه معرفة المخلوقات، وصرفة الخالق بأسمائه وصفاته وأفعاله. والتذكير منه الوعد والوعيد، والجنة والنار، وتصفية الظاهر والباطن. والأحكام منها التكاليف كلها، وتبيين النافع والضار، والأمر والنهي والندب، ولذلك كانت الفاتحة أم القرآن، لأن فيها الأقسام الثلاثة. وسورة الإخلاص ثلثه، شمالها على أحد الأقسام الثلاثة، وهو التوحيد. قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في كتاب "الإمام في أدلة الأحكام" معظم آي القرآن لا تخلو عن أحكام مشتملة على آداب حسنة وأخلاق جليلة. ثم من الآيات ما صرح فيها بالأحكام، ومنها ما يؤخذ بطريق الاستنباط إما بأن ضم إلى آية أخرى، كاستنباط صحة أنكحة الكفار من قوله: وامرأته حمالة الحطب . وصحة صوم الجنب من قوله: فالآن باشروهن ... إلى قوله: حتى يتبين لكم الخيط ... الآية. وإما به كاستنباط أن أقل الحمل ستة أشهر من قوله: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا . مع قوله: وفصاله في عامين . قال: ويستدل على الأحكام تارة بالصيغة وهو ظاهر، وتارة بالإخبار مثل: أحل لكم . حرمت عليكم الميتة . كتب عليكم الصيام . وتارة بما رتب عليها في العاجل والآجل من خير وشر، أو نفع أو ضر. وقد نوع الشارع ذلك أنواعا كثيرة، ترغيبا لعباده، وترهيبا وتقريبا إلى أفهامهم، فكل فعل عظمه الشرع أو مدحه أو مدح فاعله لأجله، أو أحبه [ ص: 21 ] أو أحب فاعله أو رضي به، أو رضي عن فاعله، أو وصفه بالاستقامة أو البركة أو الطيب، أو أقسم به أو بفاعله، كالإقسام بالشفع والوتر، وبخيل المجاهدين، وبالنفس اللوامة، أو نصبه سببا لذكره لعبده، أو لمحبته، أو لثواب عاجل أو آجل، أو لشكره، أو لهدايته إياه، أو لإرضاء فاعله، أو لمغفرة ذنبه وتكفير سيئاته، أو لقبوله، أو لنصرة فاعله، أو ببشارته، أو وصف فاعله بالطيب، أو وصف الفعل بكونه معروفا، أو نفى الحزن والخوف عن فاعله، أو وعده بالأمن، أو نصب سببا لولايته، أو أخبر عن دعاء الرسول لحصوله، أو وصفه بكونه قربة، أو بصفة مدح، كالحياة والنور والشفاء - فهو دليل على مشروعيته المشركة بين الوجوب والندب. وكل فعل طلب الشارع تركه أو ذمه، أو ذم فاعله، أو عتب عليه، أو مقت فاعله، أو لعنه، أو نفى محبته أو محبة فاعله أو الرضا به، أو عن فاعله، أو شبه فاعله بالبهائم أو الشياطين، أو جعله مانعا من الهدى، أو من القبول، أو وصفه بسوء أو كراهة أو استعاذ الأنبياء منه أو أبغضوه، أو جعل سببا لنفي الفلاح أو لعذاب عاجل أو آجل، أو لذم أو لوم، أو ضلالة أو معصية، أو وصف بخبث أو رجس أو نجس، أو بكونه فسقا أو إثما، أو سببا لإثم أو رجس، أو لعن أو غضب، أو زوال نعمة أو حلول نقمة، أو حد من الحدود، أو قسوة أو خزي، أو ارتهان نفس، أو لعداوة الله ومحاربته، أو الاستهزاء به أو سخريته، أو جعله لله سببا لنسيانه فاعله، أو وصف نفسه بالصبر عليه، أو بالحلم، أو بالصفح عنه، أو دعا إلى التوبة منه، أو وصف فاعله بخبث أو احتقار، أو نسبه إلى عمل الشيطان، أو تزيينه أو تولي الشيطان لفاعله، أو وصفه بصفة ذم ككونه ظلما أو بغيا، أو عدوانا أو إثما، أو تبرأ الأنبياء منه أو من فاعله، أو شكوا إلى الله من فاعله، أو جاهروا فاعله بالعداوة، أو نهوا عن الأسى والحزن عليه، أو نصب سببا لخيبة فاعله عاجلا أو آجلا، أو رتب عليه حرمان الجنة وما فيها، أو وصف فاعله بأنه عدو لله أو بأن الله عدوه، أو أعلم فاعله بحرب من الله ورسوله، أو حمل فاعله إثم غيره، أو قيل فيه: لا ينبغي هذا أو لا يكون، أو [ ص: 22 ] أمره بالتقوى عند السؤال عنه، أو أمر بفعل مضاده أو بهجر فاعله، أو تلاعن فاعلوه في الآخرة، أو تبرأ بعضهم من بعض، أو دعا بعضهم على بعض، أو وصف فاعله بالضلالة وأنه ليس من الله في شيء أو ليس من الرسول وأصحابه، أو جعل اجتنابه سببا للفلاح، أو جعله سببا لإيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين، أو قيل: هل أنت منته، أو نهى الأنبياء عن الدعاء لفاعله، أو رتب عليه إبعادا أو طردا، أو لفظة قتل من فعله، أو قاتله الله، أو أخبر أن فاعله لا يكلمه الله في الآخرة ولا ينظر إليه ولا يزكيه، ولا يصلح عمله ولا يهدي كيده، أو قيض له الشيطان، أو جعل سببا لإزاغة قلب فاعله، أو صرفه عن آيات الله وسؤاله عن علة الفعل، فهو دليل على المنع من الفعل، ودلالته على التحريم أظهر من دلالته على مجرد الكراهة. وتستفاد الإباحة من "لفظ الإحلال، ونفي الجناح والحرج والإثم والمؤاخذة، ومن الإذن فيه والعفو عنه، ومن الامتنان بما في الأعيان من المنافع، ومن السكوت عن التحريم، ومن الإنكار على من حرم الشيء، ومن الإخبار بأنه خلق أو جعل لنا، والإخبار عن فعل من قبلنا غير ذام لهم عليه، فإن اقترن بإخبار مدح دل على مشروعيته وجوبا أو استحبابا. انتهى كلام الشيخ عز الدين بن عبد السلام. وقال غيره: وقد يستنبط من السكوت. وقد استدل جماعة على أن القرآن غير مخلوق بأن الله ذكر الإنسان في ثمانية عشر موضعا وقال " إنه مخلوق"، وذكر القرآن في أربع وخمسين موضعا ولم يقل إنه مخلوق. ولما جمع بينهما غاير، فقال: الرحمن علم القرآن خلق الإنسان . فهذا أحد وجوه إعجازه.

التالي السابق


الخدمات العلمية