الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب السجود لغير الله تعالى قال الله تعالى وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا ، روى شعبة عن قتادة : " أن الطاعة كانت لله تعالى في السجود لآدم ، أكرمه الله بذلك " ، وروى معمر عن قتادة في قوله وخروا له سجدا قال : " كانت تحيتهم السجود " وليس يمتنع أن يكون ذلك السجود عبادة لله تعالى وتكرمة وتحية لآدم عليه السلام وكذلك سجود إخوة يوسف عليهم السلام وأهله له ، وذلك لأن العبادة لا تجوز لغير الله تعالى ، والتحية والتكرمة جائزان لمن يستحق ضربا من التعظيم ومن الناس من يقول : إن السجود كان لله ، وآدم كان بمنزلة القبلة لهم وليس هذا بشيء ؛ لأنه يوجب أن لا يكون لآدم في ذلك حظ من التفضيل والتكرمة .

وظاهر ذلك يقتضي أن يكون آدم مفضلا مكرما ؛ فذلك كظاهر الحمد إذا وقع لمن يستحق ذلك يحمل على الحقيقة ولا يحمل على ما يطلق من ذلك مجازا ، كما يقال : أخلاق فلان محمودة [ ص: 38 ] ومذمومة ؛ لأن حكم اللفظ أن يكون محمولا على بابه وحقيقته ، ويدل على أنظ الأمر بالسجود قد كان أراد به تكرمة آدم عليه السلام وتفضيله على قول إبليس فيما حكى الله عنه : أأسجد لمن خلقت طينا قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي فأخبر إبليس أن امتناعه كان من السجود لأجل ما كان من تفضيل الله وتكرمته بأمره إياه بالسجود له ، ولو كان الأمر بالسجود له على أنه نصب قبلة للساجدين من غير تكرمة له ولا فضيلة لما كان لآدم في ذلك حظ ولا فضيلة تحسد ، كالكعبة المنصوبة للقبلة وقد كان السجود جائزا في شريعة آدم عليه السلام للمخلوقين ، ويشبه أن يكون قد كان باقيا إلى زمان يوسف عليه السلام فكان فيما بينهم لمن يستحق ضربا من التعظيم ويراد إكرامه وتبجيله بمنزلة المصافحة والمعانقة فيما بيننا وبمنزلة تقبيل اليد .

وقد روي عن النبي عليه السلام في إباحة تقبيل اليد أخبار ، وقد روي الكراهة ؛ إلا أن السجود لغير الله تعالى على وجه التكرمة والتحية منسوخ بما روت عائشة وجابر بن عبد الله وأنس ، أن النبي عليه السلام قال : ما ينبغي لبشر أن يسجد لبشر ، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها لفظ حديث أنس بن مالك .

التالي السابق


الخدمات العلمية