الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وإن تغيرت العادة بزيادة أو تقدم أو تأخر أو انتقال ، فالمذهب أنها لا تلتفت إلى ما خرج عن العادة ، حتى يتكرر ثلاثا أو مرتين على اختلاف الروايتين ، وعندي أنها تصير إليه من غير تكرار ، وإن طهرت في أثناء عادتها ، اغتسلت وصلت ، فإن عاودها الدم في العادة ، فهل تلتفت إليه ؛ على روايتين ،

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وإن تغيرت العادة بزيادة ) مثل أن يكون حيضها خمسة من كل شهر فتصير ستة ونحوها ( أو تقدم ) مثل أن يكون عادتها من أول الشهر ستة فتصير يومين من الشهر السابق ، وأربعة من الثاني ، وهو الذي تحيض فيه ( أو تأخر ) مثل أن يكون حيضها خمسة من أول الشهر فتصير خمسة في ثانيه ( أو انتقال ) مثل أن يكون حيضها الخمسة الأول ، فتصير الخمسة الثانية ، لكن لم يذكره في " المحرر " و " الوجيز " ولا " الفروع " لأنه في معنى ما تقدم ( فالمذهب أنها لا تلتفت إلى ما خرج عن العادة ) نص عليه لقوله عليه السلام : اجلسي قدر ما كانت تحبسك حيضتك رواه مسلم ، ولأن لها عادة ، فترد إليها كالمستحاضة ، وتصوم ، وتصلي في الخارج عن العادة ، ولا يأتيها زوجها لاحتمال أن يكون حيضا فيجب ترك وطئها احتياطا ، كما وجبت العبادة احتياطا ، لكنها تغتسل عقيب العادة ، وعند انقضاء الدم لاحتمال أن يكون حيضا كما قلناه في المبتدأة ، وعنه : لا يجب الغسل عقيب الخارج عن العادة ، وفي " الرعاية " : لا يجب الغسل [ ص: 286 ] على الأصح لما زاد عن العادة إن اعتبر تكراره ، ولم يعبر أكثر الحيض ، وفي كراهة الوطء فيه وجهان ، وعلى ما ذكره إن ارتفع حيضها ولم يعد ، أو يئست قبل التكرار لم تقض ( حتى يتكرر ثلاثا ) جزم به في " الوجيز " وهو الأشهر فعلى هذا تجلس في الشهر الرابع ( أو مرتين ) فتنتقل من الشهر الثالث ، وقيل : الثاني ( على اختلاف الروايتين ) نقلهما عنه الفضل بن زياد . فعليها إذا تكرر صار عادة ، وأعادت ما فعلته من الصيام والطواف الواجب ، لكن قال ابن تميم : في وجوب إعادته قبل التكرار وجهان ، وعن أحمد : الزائد لا يحتاج إلى تكرار وحده ، وظاهره أن العادة لا تثبت بمرة ، زاد في " الرعاية " على الأصح ، وقيل : إلا في التمييز .

                                                                                                                          ( وعندي أنها تصير إليه من غير تكرار ) قال ابن تميم : وهو أشبه ، وحكاه في " الرعاية " قولا ، وفي " المستوعب " رواية ، وفاقا للشافعي ، لأن النساء كن يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الصفرة والكدرة ، فتقول : لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء . رواه مالك ، ومعناه : لا تعجلن بالغسل ، ومعنى القصة أن تدخل القطنة في فرجها فتخرج بيضاء نقية ، وقال أحمد : هو ماء أبيض يتبع الحيضة ، ولم يقيده بالعادة ، فالظاهر أنهن كن يعددن ما يرينه من الدم حيضا من غير افتقاد عادة ، والظاهر أنهن جرين على العرف في اعتقاد ذلك حيضا ، ولم يرد من الشرع تغييره ، وذلك أننا أجلسنا المبتدأة من غير سبق عادة ، ورجعنا في أكثر أحكام الحيض إلى العرف .

                                                                                                                          ( وإن طهرت في أثناء عادتها اغتسلت ، وصلت ) وصامت ، لقول ابن [ ص: 287 ] عباس : أما ما رأت الطهر ساعة فلتغتسل ، وظاهره : أنه لا فرق بين قليل الطهر وكثيره ، ونقله في " الشرح " عن الأصحاب ، لكن أقل الطهر في خلال الحيض ساعة ، فلو كان النقاء أقل منها ، فقال في " الكافي " و " الشرح " : الظاهر أنه ليس بطهر ، وعن أحمد : أقله يوم ، وصححه المؤلف ، وابن تميم ، وابن حمدان ، لأن الدم يجري تارة ، وينقطع أخرى ، وفي إيجاب الغسل على من تطهر ساعة حرج ، فيكون منفيا ، قال في " الشرح " وغيره : فعلى هذا لا يكون أقل من يوم طهر ، إلا أن ترى ما يدل عليه ، مثل أن يكون انقطاعه في آخر عادتها ، أو ترى القصة البيضاء ، وأن الله تعالى ، وصف الحيض بكونه أذى ، فإذا ذهب الأذى ، وجب زوال الحيض ، وظاهره إباحة وطئها ، وعنه : يكره ، وخرجه القاضي ، وابن عقيل على الخلاف في المبتدأة ، وأنه لا قضاء عليها فيما فعلته فيه من صوم واجب ونحوه إذا عاودها في العادة على الأصح ( فإن عاودها الدم في العادة ) ولم يجاوزها ( فهل تلتفت إليه ؛ على روايتين ) أصحهما أنها تلتفت إليه بمعنى أنها تجلسه ، لأنه صادف زمن العادة أشبه ما لو استمر ، والثانية : لا تلتفت إليه حتى يكرر ، اختاره ابن أبي موسى ، وهو ظاهر الخرقي ، وقال أبو بكر : هو الغالب في الرواية عن أبي عبد الله ، لأنه عاد بعد طهر صحيح ، أشبه ما لو عاد بعد العادة ، فعليها حكمه حكم ما لو عاد بعدها ، وعنه : مشكوك فيه ، كدم نفساء عاد ، فعلى الأولى إذا عاد في العادة وغيرها ، ولم يجاوز أكثر الحيض فأوجه ، أحدها : الجميع حيض ، والثاني : ليس بحيض حتى يتكرر ، والثالث : ما في العادة حيض ، وما زاد ليس بحيض حتى يتكرر ، فإن جاوز أكثره فمستحاضة ، لأن بعضه ليس بحيض ، فيكون كله استحاضة لاتصاله به ، وانفصاله [ ص: 288 ] عن الحيض ، ولم يتعرض المؤلف لعوده بعد العادة ، وهو ينقسم إلى قسمين ، تارة يتعذر كونه حيضا ، وهو إذا عبر أكثره ، وليس بينه وبين الدم الأول أقل الطهر ، فيكون استحاضة ، ولو تكرر ، وتارة يمكن كونه حيضا ، وذلك في حالين أحدهما : أن يكون بضمه إلى الدم الأول لا يكون بين طرفيها أكثر من خمسة عشر يوما ، فإذا تكرر واحد يلفق أحدهما إلى الآخر ، ويكون الطهر الذي بينهما طهرا في خلال الحيضة ، كما لو كانت عادتها عشرة أيام من أول الشهر ، فرأت منها خمسة دما ، وطهرت خمسة ، ثم رأت خمسة دما ، فلو رأت الثاني ستة أو أكثر ، امتنع ذلك لما ذكرناه . والثاني : أن يكون بينهما أقل الطهر ، وكل من الدمين يصلح حيضا بمفرده ، كيوم وليلة ، فهذا إذا تكرر يكون الدمان حيضتين ، وإن نقص أحدهما عن أقل الحيض ، فهو دم فساد .




                                                                                                                          الخدمات العلمية