الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما جاء في الكفاءة في النكاح 2675 - ( عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال { : جاءت فتاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته ، قال : فجعل الأمر إليها ، فقالت : قد أجزت ما صنع أبي ، ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء } رواه ابن ماجه ، ورواه أحمد والنسائي من حديث ابن بريدة ) .

                                                                                                                                            2676 - ( وعن عائشة وعن عمر قال : لأمنعن تزوج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء رواه الدارقطني ) .

                                                                                                                                            2677 - ( وعن أبي حاتم المزني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير قالوا : يا رسول الله وإن كان فيه ؟ قال : إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ، ثلاث مرات } رواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن غريب ) .

                                                                                                                                            2678 - ( وعن عائشة : { أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وكان ممن شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه الوليد بن عتبة بن ربيعة وهو مولى امرأة من الأنصار } رواه البخاري والنسائي وأبو داود ) .

                                                                                                                                            2679 - ( وعن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن أمه قالت : رأيت أخت عبد الرحمن بن عوف تحت بلال رواه الدارقطني )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث عبد الله بن بريدة أخرجه ابن ماجه بإسناد رجاله رجال الصحيح ، فإنه قال في سننه : حدثنا هناد بن السري ، حدثنا وكيع عن كهمس بن الحسن عن ابن بريدة عن أبيه ، وأخرجه النسائي من طريق زياد بن أيوب وهو ثقة عن علي بن غراب ، وهو [ ص: 153 ] صدوق عن كهمس بهذا الإسناد ، ويشهد له حديث ابن عباس في الجارية البكر التي زوجها أبوها وهي كارهة ، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك تشهد له الأحاديث الواردة في استئمار النساء على العموم ، كذلك حديث خنساء بنت خذام ، وقد تقدم جميع ذلك في باب ما جاء في الإجبار والاستئمار ، وإنما ذكر المصنف حديث بريدة ههنا لقولها فيه : " ليرفع بي خسيسته " فإن ذلك مشعر بأنه غير كفء لها

                                                                                                                                            وحديث أبي حاتم المزني ذكر المصنف أن الترمذي حسنه ووافقه المناوي على نقل التحسين عن الترمذي ، ثم نقل عن البخاري أنه لم يعده محفوظا ، وعده أبو داود في المراسيل ، وأعله ابن القطان بالإرسال وضعف راويه ، وأبو حاتم المزني له صحبة ، ولا يعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث وقد أخرج الترمذي أيضا هذا الحديث من حديث أبي هريرة ولفظه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض } وقال : قد خولف عبد الحميد بن سليمان في هذا الحديث ، ورواه الليث بن سعد عن أبي عجلان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال البخاري : وحديث الليث أشبه ولم يعد حديث عبد الحميد محفوظا وفي الباب عن أبي هريرة عند أبي داود : { أن أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم في اليافوخ ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا بني بياضة أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه } وأخرجه أيضا الحاكم وحسنه الحافظ في التلخيص

                                                                                                                                            وعن علي عند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : { ثلاث لا تؤخر : الصلاة إذا أتت ، والجنازة إذا حضرت ، والأيم إذا وجدت لها كفؤا } وعن ابن عمر عند الحاكم أنه صلى الله عليه وسلم قال { : العرب أكفاء بعضهم لبعض قبيلة لقبيلة وحي لحي ورجل لرجل ، إلا حائك أو حجام } وفي إسناده رجل مجهول وهو الراوي له عن ابن جريج ، وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث فقال : هذا كذب لا أصل له وقال في موضع آخر باطل ورواه ابن عبد البر في التمهيد من طريق أخرى عنه قال الدارقطني في العلل : لا يصح ا هـ .

                                                                                                                                            وفي إسناد ابن عبد البر عمران بن أبي الفضل قال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الثقات ، وقال ابن أبي حاتم : سألت عنه أبي فقال : منكر ، وقد حدث به هشام بن عبيد الله الرازي فزاد فيه بعد : { أو حجام أو دباغ } ، قال : فاجتمع به الدباغون وهموا به وقال ابن عبد البر : هذا منكر موضوع ، وذكره في العلل المتناهية من طريقين إلى ابن عمر في إحداهما علي بن عروة ، وقد رماه ابن حبان بالوضع ; وفي الأخرى محمد بن الفضل بن عطية وهو متروك ، والأولى في ابن عدي ، والثانية في الدارقطني وله طريق أخرى عن غير ابن عمر رواه البزار في مسنده من حديث معاذ بن جبل رفعه : { العرب بعضها لبعض أكفاء } وفيه سليمان بن أبي الجون قال ابن القطان : لا يعرف ، ثم هو من رواية [ ص: 154 ] خالد بن معدان عن معاذ ولم يسمع منه ، وفي المتفق عليه من حديث أبي هريرة : { خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا }

                                                                                                                                            قوله : ( إلا من الأكفاء ) جمع كفء بضم أوله وسكون الفاء بعدها همزة : وهو المثل والنظير قوله ( من ترضون دينه وخلقه ) فيه دليل على اعتبار الكفاءة في الدين والخلق ، وقد جزم بأن اعتبار الكفاءة مختص بالدين مالك

                                                                                                                                            ونقل عن عمر وابن مسعود ومن التابعين عن محمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز ، ويدل عليه قوله تعالى: { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } واعتبر الكفاءة في النسب الجمهور وقال أبو حنيفة : قريش أكفاء بعضهم بعضا ، والعرب كذلك ، وليس أحد من العرب كفؤا لقريش ، كما ليس أحد من غير العرب كفؤا للعرب ، وهو وجه للشافعية قال في الفتح : والصحيح تقديم بني هاشم والمطلب على غيرهم ، ومن عدا هؤلاء أكفاء بعضهم لبعض

                                                                                                                                            وقال الثوري : إذا نكح المولى العربية يفسخ النكاح ، وبه قال أحمد في رواية ، وتوسط الشافعي فقال : ليس نكاح غير الأكفاء حراما فأراد به النكاح ، وإنما هو تقصير بالمرأة والأولياء ، فإذا رضوا صح ويكون حقا لهم تركوه ، فلو رضوا إلا واحدا فله فسخه قال : ولم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب من حديث وأما ما أخرجه البزار من حديث معاذ رفعه : { العرب بعضهم أكفاء بعض ، والموالي بعضهم أكفاء بعض } فإسناده ضعيف واحتج البيهقي بحديث : { إن الله اصطفى بني كنانة من بني إسماعيل } الحديث ، وهو صحيح أخرجه مسلم لكن في الاحتجاج به لذلك نظر ، وقد ضم إليه بعضهم حديث : { قدموا قريشا ولا تقدموها } ونقل ابن المنذر عن البويطي أن الشافعي قال : الكفاءة في الدين ، وهو كذلك في مختصر البويطي قال الرافعي : وهو خلاف المشهور قال في الفتح : واعتبار الكفاءة في الدين متفق عليه ، فلا تحل المسلمة لكافر

                                                                                                                                            قال الخطابي : إن الكفاءة معتبرة في قول أكثر العلماء بأربعة أشياء : الدين والحرية والنسب والصناعة ومنهم من اعتبر السلامة من العيوب ، واعتبر بعضهم اليسار ويدل على ذلك ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث بريدة رفعه : { إن أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه المال } وما أخرجه أحمد والترمذي وصححه هو والحاكم من حديث سمرة رفعه : { الحسب المال ، والكرم التقوى } قال في الفتح : يحتمل أن يكون المراد أنه حسب من لا حسب له ، فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن لا نسب له ، أو أن من شأن أهل الدنيا رفعة من كان كثير المال ولو كان وضيعا ، وضعة من كان مقلا ولو كان رفيع النسب كما هو موجود مشاهد ، فعلى الاحتمال الأول يمكن أن يؤخذ من الحديث اعتبار الكفاءة بالمال لا على الثاني ، وقد قدمنا الإشارة إلى شيء من هذا في باب صفة المرأة التي تستحب خطبتها [ ص: 155 ]

                                                                                                                                            قوله : ( تبنى سالما ) بفتح المثناة الفوقية والموحدة وتشديد النون : أي اتخذه ابنا ، وسالم هو ابن معقل مولى أبي حذيفة ولم يكن مولاه وإنما كان يلازمه ، بل هو مولى امرأة من الأنصار كما وقع في حديث الباب وهذا الحديث فيه دليل على أن الكفاءة تغتفر برضا الأعلى لا مع عدم الرضا ، فقد خير النبي صلى الله عليه وسلم بريرة لما لم يكن زوجها كفؤا لها بعد الحرية وقد قدمنا الاختلاف في كونه عبدا أو حرا ، والراجح أنه كان عبدا كما سيأتي في باب الخيار للأمة إذا عتقت تحت عبد قال الشافعي : أصل الكفاءة في النكاح حديث بريرة ، يعني هذا ، ومن جملة الأمور الموجبة لرفعة المتصف بها ، الصنائع العالية وأعلاها على الإطلاق : العلم ; لحديث : { العلماء ورثة الأنبياء } أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان من حديث أبي الدرداء ، وضعفه الدارقطني في العلل قال المنذري : وهو مضطرب الإسناد ، وقد ذكره البخاري في صحيحه بغير إسناد

                                                                                                                                            ، والقرآن شاهد صدق على ما ذكرنا ، فمن ذلك قوله تعالى: { هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } وقوله تعالى: { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } وقوله تعالى: { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم } وغير ذلك من الآيات والأحاديث المتكاثرة ، منها حديث : { خياركم في الجاهلية } وقد تقدم




                                                                                                                                            الخدمات العلمية