الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2465 ) مسألة : قال : ( ولا يستلم ، ولا يقبل من الأركان إلا الأسود واليماني ) الركن اليماني قبلة أهل اليمن ، ويلي الركن الذي فيه الحجر الأسود ، وهو آخر ما يمر عليه من الأركان في طوافه ، وذلك أنه يبدأ بالركن الذي فيه الحجر الأسود ، وهو قبلة أهل خراسان فيستلمه ويقبله ، ثم يأخذ على يمين نفسه ، ويجعل البيت على يساره ، فإذا انتهى إلى الركن الثاني ، وهو العراقي ، لم يستلمه ، فإذا مر بالثالث ، وهو الشامي ، لم يستلمه أيضا ، وهذان الركنان يليان الحجر ، فإذا وصل إلى الرابع ، وهو الركن اليماني ، استلمه .

                                                                                                                                            قال الخرقي : ( ويقبله ) . والصحيح عن أحمد أنه لا يقبله . وهو قول أكثر أهل العلم . وحكي عن أبي حنيفة أنه لا يستلمه . قال ابن عبد البر : جائز عند أهل العلم أن يستلم الركن اليماني ، والركن الأسود ، لا يختلفون في شيء من ذلك ، وإنما الذي فرقوا به بينهما التقبيل ، فرأوا تقبيل الأسود ، ولم يروا تقبيل اليماني ، وأما استلامهما فأمر مجمع عليه .

                                                                                                                                            قال : وقد روى مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استلم الركن قبله ، ووضع خده الأيمن عليه } . قال : وهذا لا يصح . وإنما يعرف التقبيل في الحجر الأسود وحده .

                                                                                                                                            وقد روى ابن عمر ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يستلم إلا الحجر ، والركن اليماني . } وقال ابن عمر : ما تركت استلام هذين الركنين اليماني والحجر ، منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما ، في شدة ، ولا رخاء . رواهما مسلم . ولأن الركن اليماني مبني على قواعد إبراهيم ، عليه السلام ، فسن استلامه ، كالذي فيه الحجر .

                                                                                                                                            وأما تقبيله فلم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يسن . وأما الركنان اللذان يليان الحجر ، فلا يسن استلامهما في قول أكثر أهل العلم . وروي عن معاوية ، وجابر ، وابن الزبير ، والحسن ، والحسين ، وأنس ، وعروة ، استلامهما . وقال معاوية : ليس شيء من البيت مهجورا .

                                                                                                                                            ولنا ، قول ابن عمر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم { كان لا يستلم إلا الحجر ، والركن اليماني . } وقال : ما أراه - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - لم يستلم الركنين اللذين يليان الحجر ، إلا أن البيت لم يتم على قواعد إبراهيم ، ولا طاف الناس من وراء الحجر إلا لذلك .

                                                                                                                                            وروي عن ابن عباس ، أن معاوية طاف ، فجعل يستلم الأركان كلها ، فقال له ابن عباس : لم تستلم هذين الركنين ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يستلمهما ؟ فقال معاوية ليس شيء من البيت مهجورا . فقال ابن عباس : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } . فقال معاوية : صدقت . ولأنهما لم يتما على قواعد إبراهيم ، فلم يسن استلامهما ، كالحائط الذي يلي الحجر .

                                                                                                                                            ( 2466 ) فصل : ويستلم الركنين الأسود واليماني في كل طوافه ; لأن ابن عمر قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر ، في كل طوافه } . قال نافع : وكان ابن عمر يفعله . رواه أبو داود .

                                                                                                                                            وإن لم يتمكن من تقبيل الحجر ، استلمه ، وقبل يده . وممن رأى تقبيل اليد عند استلامه ابن عمر ، وجابر ، وأبو هريرة ، وأبو سعيد ، [ ص: 189 ] وابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، وعروة ، وأيوب ، والثوري ، والشافعي ، وإسحاق .

                                                                                                                                            وقال مالك : يضع يده على فيه من غير تقبيل . وروي أيضا عن القاسم بن محمد . ولنا ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم استلمه ، وقبل يده } . أخرجه مسلم . وفعله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتبعهم أهل العلم على ذلك ، فلا يعتد بمن خالفهم .

                                                                                                                                            وإن كان في يده شيء يمكن أن يستلم الحجر به ، استلمه وقبله ; لما روي عن ابن عباس ، قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ، ويستلم الركن بمحجن معه ، ويقبل المحجن } . رواه مسلم . فإن لم يمكنه استلامه ، أشار إليه وكبر ; لما روى البخاري ، بإسناده عن ابن عباس ، قال : { طاف النبي صلى الله عليه وسلم على بعير ، كلما أتى الركن أشار إليه ، وكبر . }

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية