الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 427 ] القول في تأويل قوله ( ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين ( 40 ) )

قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه : ولا يدخل هؤلاء الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها ، الجنة التي أعدها الله لأوليائه المؤمنين أبدا ، كما لا يلج الجمل في سم الخياط أبدا ، وذلك ثقب الإبرة .

وكل ثقب في عين أو أنف أو غير ذلك ، فإن العرب تسميه " سما " وتجمعه " سموما " ، و " السمام " ، في جمع " السم " القاتل ، أشهر وأفصح من " السموم " . وهو في جمع " السم " الذي هو بمعنى الثقب أفصح . وكلاهما في العرب مستفيض . وقد يقال لواحد " السموم " التي هي الثقوب " سم " و " سم " بفتح السين وضمها ، ومن " السم " الذي بمعنى الثقب قول الفرزدق :


فنفست عن سميه حتى تنفسا وقلت له : لا تخش شيئا ورائيا



يعني بسميه ، ثقبي أنفه . [ ص: 428 ]

وأما " الخياط " فإنه " المخيط " ، وهي الإبرة . قيل لها : " خياط " و " مخيط " ، كما قيل : " قناع " و " مقنع " ، و " إزار " و " مئزر " ، و " قرام " و " مقرم " ، و " لحاف " و " ملحف " .

وأما القرأة من جميع الأمصار ، فإنها قرأت قوله : ( في سم الخياط ) ، بفتح " السين " ، وأجمعت على قراءة : " الجمل " بفتح " الجيم " ، و " الميم " وتخفيف ذلك .

وأما ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير ، فإنه حكي عنهم أنهم كانوا يقرءون ذلك : " الجمل " ، بضم " الجيم " وتشديد " الميم " ، على اختلاف في ذلك عن سعيد وابن عباس .

فأما الذين قرؤوه بالفتح من الحرفين والتخفيف ، فإنهم وجهوا تأويله إلى " الجمل " المعروف ، وكذلك فسروه .

ذكر من قال ذلك :

14617 - حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي قال ، حدثنا فضيل بن عياض ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله في قوله : ( حتى يلج الجمل في سم الخياط ) ، قال : الجمل ابن الناقة ، أو : زوج الناقة .

14618 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن إبراهيم ، عن عبد الله : ( حتى يلج الجمل في سم الخياط ) ، قال : " الجمل " ، زوج الناقة .

14619 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي حصين ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ، مثله .

14620 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن مهدي ، عن هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله قال : " الجمل " ، زوج الناقة .

14621 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ، مثله . [ ص: 429 ]

14622 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا قرة قال ، سمعت الحسن يقول : " الجمل " ، الذي يقوم في المربد .

14623 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن : ( حتى يلج الجمل في سم الخياط ) ، قال : حتى يدخل البعير في خرت الإبرة .

14624 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن مهدي ، عن هشيم ، عن عباد بن راشد ، عن الحسن قال : هو الجمل! فلما أكثروا عليه قال : هو الأشتر .

14625 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، حدثنا هشيم ، عن عباد بن راشد ، عن الحسن ، مثله .

14626 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا الحجاج قال ، حدثنا حماد ، عن يحيى قال : كان الحسن يقرؤها : ( حتى يلج الجمل في سم الخياط ) ، قال : فذهب بعضهم يستفهمه ، قال : أشتر ، أشتر .

14627 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو النعمان عارم قال ، حدثنا حماد بن زيد ، عن شعيب بن الحبحاب ، عن أبي العالية : ( حتى يلج الجمل ) ، قال : الجمل الذي له أربع قوائم .

14628 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن أبي حصين أو : حصين ، عن إبراهيم ، عن ابن مسعود في [ ص: 430 ] قوله : ( حتى يلج الجمل في سم الخياط ) ، قال : زوج الناقة ، يعني الجمل .

14629 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح قال ، حدثنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك أنه كان يقرأ : ( الجمل ) ، وهو الذي له أربع قوائم .

14630 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو تميلة ، عن عبيد ، عن الضحاك : ( حتى يلج الجمل ) ، الذي له أربع قوائم .

14631 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا زيد بن الحباب ، عن قرة ، عن الحسن : ( حتى يلج الجمل ) ، قال : الذي بالمربد .

14632 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن مسعود أنه كان يقرأ : " حتى يلج الجمل الأصفر " .

14633 - حدثنا نصر بن علي قال ، حدثنا يحيى بن سليم قال ، حدثنا عبد الكريم بن أبي المخارق ، عن الحسن في قوله : ( حتى يلج الجمل في سم الخياط ) ، قال : الجمل ابن الناقة أو بعل الناقة .

وأما الذين خالفوا هذه القراءة فإنهم اختلفوا .

فروي عن ابن عباس في ذلك روايتان : إحداهما الموافقة لهذه القراءة وهذا التأويل .

ذكر الرواية بذلك عنه :

14634 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : ( حتى يلج الجمل في سم الخياط ) ، والجمل : ذو القوائم .

وذكر أن ابن مسعود قال ذلك . [ ص: 431 ]

14635 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( حتى يلج الجمل في سم الخياط ) ، وهو الجمل العظيم ، لا يدخل في خرت الإبرة ، من أجل أنه أعظم منها .

والرواية الأخرى ما : -

14636 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال ، حدثنا فضيل بن عياض ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في قوله : " حتى يلج الجمل في سم الخياط " ، قال : هو قلس السفينة .

14637 - حدثني عبد الأعلى بن واصل قال ، حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل ، عن خالد بن عبد الله الواسطي ، عن حنظلة السدوسي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه كان يقرأ : " حتى يلج الجمل في سم الخياط " ، يعني الحبل الغليظ فذكرت ذلك للحسن فقال : ( حتى يلج الجمل ) ، قال عبد الأعلى : قال أبو غسان ، قال خالد : يعني : البعير .

14638 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن فضيل ، عن مغيرة ، عن مجاهد ، عن ابن عباس أنه قرأ : " الجمل " ، مثقلة ، وقال : هو حبل السفينة .

14639 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن مهدي ، عن هشيم ، عن مغيرة ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : " الجمل " ، حبال السفن .

14640 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن آدم ، عن ابن مبارك ، عن حنظلة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : " حتى يلج الجمل في سم الخياط " ، قال : الحبل الغليظ . [ ص: 432 ]

14641 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : " حتى يلج الجمل في سم الخياط " قال : هو الحبل الذي يكون على السفينة .

واختلف عن سعيد بن جبير أيضا في ذلك ، فروي عنه روايتان إحداهما مثل الذي ذكرنا عن ابن عباس : بضم " الجيم " وتثقيل " الميم " .

ذكر الرواية بذلك عنه :

14642 - حدثنا عمران بن موسى القزاز قال ، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال ، حدثنا حسين المعلم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير : أنه قرأها : " حتى يلج الجمل " ، يعني قلوس السفن ، يعني الحبال الغلاظ .

والأخرى منهما بضم " الجيم " وتخفيف " الميم " .

ذكر الرواية بذلك عنه :

14643 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح قال ، حدثنا عمرو ، عن سالم بن عجلان الأفطس قال ، قرأت على أبي : " حتى يلج الجمل " فقال : " حتى يلج الجمل " خفيفة ، هو حبل السفينة هكذا أقرأنيها سعيد بن جبير .

وأما عكرمة ، فإنه كان يقرأ ذلك : " الجمل " ، بضم " الجيم " وتشديد " الميم " ، وبتأوله كما : -

14644 - حدثني ابن وكيع قال ، حدثنا أبو تميلة ، عن عيسى بن عبيد قال : سمعت عكرمة يقرأ : " الجمل " مثقلة ، ويقول : هو الحبل الذي يصعد به إلى النخل . [ ص: 433 ]

14645 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال ، حدثنا كعب بن فروخ قال ، حدثنا قتادة ، عن عكرمة ، في قوله : " حتى يلج الجمل في سم الخياط " ، قال : الحبل الغليظ في خرق الإبرة .

14646 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " حتى يلج الجمل في سم الخياط " ، قال : حبل السفينة في سم الخياط .

14647 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال عبد الله بن كثير : سمعت مجاهدا يقول : الحبل من حبال السفن .

وكأن من قرأ ذلك بتخفيف " الميم " وضم " الجيم " ، على ما ذكرنا عن سعيد بن جبير ، على مثال " الصرد " و " الجعل " ، وجهه إلى جماع " جملة " من الحبال جمعت " جملا " ، كما تجمع " الظلمة " ، " ظلما " ، و " الخربة " " خربا " .

وكان بعض أهل العربية ينكر التشديد في " الميم " ويقول : إنما أراد الراوي " الجمل " بالتخفيف ، فلم يفهم ذلك منه فشدده .

14648 - وحدثت عن الفراء ، عن الكسائي أنه قال : الذي رواه عن ابن عباس كان أعجميا .

وأما من شدد " الميم " وضم " الجيم " فإنه وجهه إلى أنه اسم واحد ، وهو الحبل ، أو الخيط الغليظ . [ ص: 434 ]

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندنا ، ما عليه قرأة الأمصار ، وهو : ( حتى يلج الجمل في سم الخياط ) ، بفتح " الجيم " و " الميم " من " الجمل " وتخفيفها ، وفتح " السين " من " السم " ، لأنها القراءة المستفيضة في قرأة الأمصار ، وغير جائز مخالفة ما جاءت به الحجة متفقة عليه من القراءة .

وكذلك ذلك في فتح " السين " من قوله : ( سم الخياط ) .

وإذ كان الصواب من القراءة ذلك ، فتأويل الكلام : ولا يدخلون الجنة حتى يلج ، و " الولوج " الدخول ، من قولهم : " ولج فلان الدار يلج ولوجا " ، بمعنى : دخل الجمل في سم الإبرة ، وهو ثقبها .

( وكذلك نجزي المجرمين ) ، يقول : وكذلك نثيب الذين أجرموا في الدنيا ما استحقوا به من الله العذاب الأليم في الآخرة .

وبمثل الذي قلنا في تأويل قوله : ( سم الخياط ) ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

14649 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة وابن مهدي وسويد الكلبي ، عن حماد بن زيد ، عن يحيى بن عتيق قال : سألت الحسن عن قوله : ( حتى يلج الجمل في سم الخياط ) ، قال : ثقب الإبرة .

14650 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال ، حدثنا [ ص: 435 ] كعب بن فروخ قال ، حدثنا قتادة ، عن عكرمة : ( في سم الخياط ) ، قال : ثقب الإبرة .

14651 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ، مثله .

14652 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( في سم الخياط ) ، قال : جحر الإبرة .

14653 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : ( في سم الخياط ) ، يقول : جحر الإبرة .

14654 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثني عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( في سم الخياط ) ، قال : في ثقبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية