الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب استحداث الوصايا .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى في غير آية في قسم الميراث { من بعد وصية توصون بها أو دين } و { من بعد وصية يوصين بها أو دين } .

( قال الشافعي ) فنقل الله تبارك وتعالى ملك من مات من الأحياء إلى من بقي من ورثة الميت فجعلهم يقومون مقامه فيما ملكهم من ملكه وقال الله عز وجل { من بعد وصية توصون بها ، أو دين } قال : فكان ظاهر الآية المعقول فيها { من بعد وصية توصون بها ، أو دين } إن كان عليهم دين .

( قال الشافعي ) وبهذا نقول ، ولا أعلم من أهل العلم فيه مخالفا ، وقد تحتمل الآية معنى غير هذا أظهر منه وأولى بأن العامة لا تختلف فيه فيما علمت وإجماعهم لا يكون عن جهالة بحكم الله إن شاء الله .

( قال الشافعي ) وفي قول الله عز وجل { من بعد وصية توصون بها أو دين } معان سأذكرها إن شاء الله تعالى فلما لم يكن بين أهل العلم خلاف علمته في أن ذا الدين أحق بمال الرجل في حياته منه حتى يستوفي دينه وكان أهل الميراث إنما يملكون عن الميت ما كان الميت أملك به كان بينا [ ص: 106 ] والله أعلم - في حكم الله عز وجل ثم ما لم أعلم أهل العلم فاختلفوا فيه أن الدين مبدأ على الوصايا والميراث فكان حكم الدين كما وصفت منفردا مقدما ، وفي قول الله عز وجل " أو دين " ثم إجماع المسلمين أن لا وصية ولا ميراث إلا بعد الدين دليل على أن كل دين في صحة كان أو في مرض بإقرار ، أو بينة ، أو أي وجه ما كان سواء ; لأن الله عز وجل لم يخص دينا دون دين .

( قال الشافعي ) وقد روي في تبدئة الدين قبل الوصية حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يثبت أهل الحديث مثله أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية } وأخبرنا سفيان عن هشام بن حجير عن طاوس عن ابن عباس أنه قيل : له كيف تأمرنا بالعمرة قبل الحج والله تعالى يقول { وأتموا الحج والعمرة لله ؟ } فقال : كيف تقرءون الدين قبل الوصية ، أو الوصية قبل الدين ؟ فقالوا الوصية قبل الدين قال : فبأيهما تبدءون ؟ قالوا بالدين قال : فهو ذاك .

( قال الشافعي ) يعني أن التقديم جائز ، وإذا قضي الدين كان للميت أن يوصي بثلث ماله فإن فعل كان للورثة الثلثان ، وإن لم يوص ، أو أوصى بأقل من ثلث ماله كان ذلك مالا من مال تركه قال : فكان للورثة ما فضل عن الوصية من المال إن أوصى .

( قال الشافعي ) ولما جعل الله عز ذكره للورثة الفضل عن الوصايا والدين فكان الدين كما وصفت وكانت الوصايا محتملة أن تكون مبدأة على الورثة ، ويحتمل أن تكون كما وصفت لك من الفضل عن الوصية وأن يكون للوصية غاية ينتهي بها إليها كالميراث بكل وارث غاية كانت الوصايا مما أحكم الله عز وجل فرضه بكتابه وبين كيف فرضه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا مالك عن ابن شهاب .

( قال الشافعي ) فكان غاية منتهى الوصايا التي لو جاوزها الموصي كان للورثة رد ما جاوز ثلث مال الموصي قال : وحديث عمران بن حصين يدل على أن من جاوز الثلث من الموصين ردت وصيته إلى الثلث ويدل على أن الوصايا تجوز لغير قرابة ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رد عتق المملوكين إلى الثلث دل على أنه حكم به حكم الوصايا والمعتق عربي ، وإنما كانت العرب تملك من لا قرابة بينها وبينه والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية