الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب نكاح المحلل 2691 - ( عن ابن مسعود قال : { لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له } رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه والخمسة إلا النسائي من حديث علي مثله ) .

                                                                                                                                            2692 - ( وعن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ألا أخبركم بالتيس المستعار ، قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : هو المحلل ، لعن الله المحلل والمحلل له } رواه ابن ماجه )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث ابن مسعود صححه ابن القطان وابن دقيق العيد على شرط البخاري ، وله طريق أخرى أخرجها عبد الرزاق ، وطريق ثالثة أخرجها إسحاق في مسنده .

                                                                                                                                            وحديث علي صححه ابن السكن وأعله الترمذي فقال : روى مجالد عن الشعبي عن جابر وهو وهم انتهى وفي إسناده مجالد وفيه ضعف

                                                                                                                                            وحديث عقبة بن عامر أخرجه أيضا الحاكم ، وأعله أبو زرعة وأبو حاتم بالإرسال وحكى الترمذي عن البخاري أنه استنكره وقال أبو حاتم : ذكرته ليحيى بن بكير فأنكره إنكارا شديدا ، وسياق إسناده في سنن ابن ماجه هكذا : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصري قال : حدثنا أبي قال : سمعت الليث بن سعد يقول : قال لي مشرح بن هاعان : قال عقبة بن عامر فذكره ويحيى بن عثمان ضعيف ومشرح قد وثقه ابن معين وفي الباب عن ابن عباس عند ابن ماجه وفي إسناده زمعة بن صالح وهو ضعيف وعن أبي هريرة عند أحمد وإسحاق والبيهقي والبزار وابن أبي حاتم في العلل والترمذي في العلل وحسنه البخاري

                                                                                                                                            والأحاديث المذكورة تدل على تحريم التحليل لأن اللعن إنما يكون على ذنب كبير قال الحافظ في التلخيص : استدلوا بهذا الحديث على بطلان النكاح إذا شرط الزوج أنه إذا نكحها بانت منه ، أو شرط أنه يطلقها أو نحو ذلك وحملوا الحديث على ذلك ، ولا شك أن إطلاقه يشمل هذه الصورة وغيرها ، لكن روى الحاكم والطبراني في الأوسط عن عمر " أنه جاء إليه رجل فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا ، فتزوجها أخ له عن غير مؤامرة ليحلها لأخيه هل تحل للأول ؟ [ ص: 166 ] قال : لا ، إلا بنكاح رغبة ، كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم "

                                                                                                                                            قال : وقال ابن حزم : ليس الحديث على عمومه في كل محلل ، إذ لو كان كذلك لدخل فيه كل واهب وبائع ومزوج ، فصح أنه أراد به بعض المحللين ، وهو من أحل حراما لغيره بلا حجة ، فتعين أن يكون ذلك فيمن شرط ذلك ; لأنهم لم يختلفوا في أن الزوج إذا لم ينو تحليلها للأول ونوت هي ، أنها لا تدخل في اللعن ، فدل على أن المعتبر الشرط ، انتهى

                                                                                                                                            ومن المجوزين للتحليل بلا شرط أبو ثور وبعض الحنفية والمؤيد بالله والهادوية ، وحملوا أحاديث التحريم على ما إذا وقع الشرط أنه نكاح تحليل قالوا : وقد روى عبد الرزاق أن امرأة أرسلت إلى رجل فزوجته نفسها ليحلها لزوجها ، فأمره عمر بن الخطاب أن يقيم معها ولا يطلقها ، وأوعده أن يعاقبه إن طلقها فصحح نكاحه ولم يأمره باستئنافه وروى عبد الرزاق أيضا عن عروة بن الزبير أنه كان لا يرى بأسا بالتحليل إذا لم يعلم أحد الزوجين

                                                                                                                                            قال ابن حزم : وهو قول سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد قال ابن القيم في إعلام الموقعين : وصح عن عطاء فيمن نكح امرأة محللا ثم رغب فيها فأمسكها ، قال : لا بأس بذلك وقال الشعبي : لا بأس بالتحليل إذا لم يأمر به الزوج وقال الليث بن سعد : إن تزوجها ثم فارقها فترجع إلى زوجها وقال الشافعي وأبو ثور : المحلل الذي يفسد نكاحه هو من تزوجها ليحلها ثم يطلقها ، فأما من لم يشترط ذلك في عقد النكاح فعقده صحيح لا داخلة فيه سواء شرط عليه ذلك قبل العقد أو لم يشرط ، نوى ذلك أو لم ينوه قال أبو ثور : وهو مأجور

                                                                                                                                            وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة مثل هذا سواء وروي أيضا عن محمد وأبي يوسف عن أبي حنيفة أنه إذا نوى الثاني والمرأة التحليل للأول لم تحل له بذلك وروى الحسن بن زياد عن زفر وأبي حنيفة أنه إن شرط عليه في نفس العقد أنه إنما تزوجها ليحلها للأول ، فإنه نكاح صحيح ويبطل الشرط ، وله أن يقيم معها فهذه ثلاث روايات عن أبي حنيفة ، قالوا : وقد قال الله تعالى : { فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } وهذا زوج قد عقد بمهر وولي ورضاها وخلوها عن الموانع الشرعية وهو راغب في ردها إلى زوجها الأول ، فيدخل في حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إلا نكاح رغبة " وهذا نكاح رغبة في تحليلها للمسلم كما أمر الله تعالى بقوله : { حتى تنكح زوجا غيره } والنبي صلى الله عليه وسلم إنما شرط في عودها إلى الأول مجرد ذوق العسيلة بينهما ، فالعسيلة حلت له بالنص

                                                                                                                                            وأما لعنه صلى الله عليه وسلم للمحلل فلا ريب أنه لم يرد كل محلل ومحلل له ، فإن الولي محلل لما كان حراما قبل العقد ، والحاكم المزوج محلل بهذا الاعتبار ، والبائع أمته محلل للمشتري وطأها ، فإن قلنا : العام إذا خصص صار مجملا ، فلا احتجاج بالحديث وإن قلنا : هو حجة فيما [ ص: 167 ] عدا محل التخصيص ، فذلك مشروط ببيان المراد منه ، ولسنا ندري المحلل المراد من هذا النص ، أهو الذي نوى التحليل أو شرطه قبل العقد أو شرطه في صلب العقد ، أو الذي أحل ما حرمه الله تعالى ورسوله ، ووجدنا كل من تزوج مطلقة ثلاثا فإنه محلل ، ولو لم يشترط التحليل أو لم ينوه فإن الحل حصل بوطئه وعقده ، ومعلوم قطعا أنه لم يدخل في النص ، فعلم أن النص إنما أراد به من أحل الحرام بفعله أو عقده ، وكل مسلم لا يشك في أنه أهل للعنة

                                                                                                                                            وأما من قصد الإحسان إلى أخيه المسلم ورغب في جمع شمله بزوجته ولم شعثه وشعث أولاده وعياله فهو محسن ، وما على المحسنين من سبيل ، فضلا عن أن يلحقهم لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يخفاك أن هذا كله بمعزل عن الصواب ، بل هو من المجادلة بالباطل البحت ودفعه لا يخفى على عارف




                                                                                                                                            الخدمات العلمية