الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
آداب المحدث .


( 684 ) وصحح النية في التحديث واحرص على نشرك للحديث      (685 ) ثم توضأ واغتسل واستعمل
طيبا وتسريحا وزبر المعتلي      (686 ) صوتا على الحديث واجلس بأدب
وهيبة بصدر مجلس وهب      (687 ) لم يخلص النية طالب فعم
ولا تحدث عجلا أو أن تقم      (688 ) أو في الطريق ثم حيث احتيج لك
في شيء اروه وابن خلاد سلك      (689 ) بأنه يحسن للخمسينا
عاما ولا بأس لأربعينا      (690 ) ورد والشيخ بغير البارع
خصص لا كمالك والشافعي      (691 ) وينبغي الإمساك إذ يخشى الهرم
وبالثمانين ابن خلاد جزم      (692 ) فإن يكن ثابت عقل لم يبل
كأنس ومالك ومن فعل      (693 ) والبغوي والهجيمي وفئه
كالطبري حدثوا بعد المائه      (694 ) وينبغي إمساك الاعمى إن يخف
وأن من سيل بجزء قد عرف      (695 ) رجحان راو فيه دل فهو حق
وترك تحديث بحضرة الأحق      (696 ) وبعضهم كره الأخذ عنه
ببلد وفيه أولى منه      (697 ) ولا تقم لأحد وأقبل
عليهم وللحديث رتل      (698 ) واحمد وصل مع سلام
ودعا في بدء مجلس وختمه معا

( آداب ) الشيخ ( المحدث ) عند إرادة الرواية ، ومع الطالب وفي الرواية والإملاء ، [ ص: 215 ] وما يفعله المستملي ، وغير ذلك مما لم يتقدم .

وقدمت على آداب الطالب التي كان الأليق تقديمها ; إما لكونها أشرف ، أو لمناسبتها لأكثر الفروع التي في صفة الرواية والأداء ، وقد صنف الخطيب كتابا حافلا لآداب كل منهما سماه ( الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع ) قرأته ، وكذا لأبي سعد بن السمعاني ( أدب الإملاء والاستملاء ) .

[ وجوب تقديم النية وتصحيحها عند التحديث ] :

( وصحح ) أيها المريد الرواية ( النية في التحديث ) وقدمها عليه بحيث تكون في ذلك مخلصا لله لا يشوبك فيه غرض دنيوي ، بل طاهر القلب من أعراضها وأدناسها ، بعيدا عن حب الرياسة ورعوناتها ودسائسها ، كالعجب والطيش والحمق والدعوى بحق ، فضلا عن باطل ، لا تحب أن يحمدك عليه أحد من الناس ، ولا تريد به معنى سوى التقرب إلى الله .

وإن لم تفعل ذلك فما صنعت شيئا ، ولا تأمن أن يقول لك الرب سبحانه وتعالى حين قولك : ( تعلمت فيك العلم وعلمته ، وقرأت القرآن ) - : ( كذبت ، ولكن ليقال : قارئ ، فقد قيل ) . ثم يؤمر بمن يكون كذلك فيسحب على وجهه حتى يلقى في النار ، إذ الأعمال بالنيات ، ولا يقبل الله منها إلا ما كان خالصا له .

وانظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم : ( من سمع الناس بعلمه سمع الله به سامع خلقه ، وصغره وحقره ) . و ( رب قائم ، أو صائم ، حظه من قيامه ، أو صيامه ، السهر ، أو الجوع والعطش ) نسأل الله العفو والعافية .

[ ص: 216 ] ومن هنا وقف كثير من السلف عن التحديث إلا بعد نية صحيحة ، قال حبيب بن أبي ثابت لما سأله الثوري التحديث : حتى تجيء النية . وقال أبو الأحوص سلام بن سليم لمن سأله أيضا : ليست لي نية . فقيل له : إنك تؤجر ، فقال :


يمنونني الخير الكثير وليتني     نجوت كفافا لا علي ولا ليا

.

وقال كلثوم بن هانئ - وقد قيل له : يا أبا سهل حدثنا - : إن قلبي لا خير فيه ، ما أكثر ما سمع ونسي . هذا وهو لو شاء فعل ، كما قاله أبو زرعة السيباني ، ولكنه أشفق من الزهو والعجب حين نصبوه . ونحوه قول حماد بن زيد : أستغفر الله ، إن لذكر الإسناد في القلب خيلاء .

وتصحيح النية وإن كان شرطا في كل عبادة ، إلا أن عادة العلماء تقييد مسألتنا به ، لكونه قد يتساهل فيه بعض الناس أو يغفل عنه ، لا سيما والحديث علم شريف يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ، وينافر مساوئ الأخلاق ومشائن الشيم ، كما قال ابن الصلاح ، والنية تعز فيه لشرفه .

ويستفز صاحبه اللعين بهدفه ، ومن حرمه فقد حرم خيرا كثيرا ، ومن رزقه بشرطه فقد فاز فوزا عظيما ، ونال أجرا كبيرا ، وهو من علوم الآخرة لا من علوم الدنيا ; لأنه عبادة لذاته لا صناعة .

ولا ينافيه قول الثوري : ليس طلب الحديث من عدة الموت ، ولكنه علة يتشاغل به الرجال . إذ طلب الحديث - كما قال الذهبي : شيء غير الحديث . قال : وهو اسم عرفي لأمور زائدة على تحصيل ماهية [ ص: 217 ] الحديث ، وكثير منها مراق إلى العلم ، وأكثرها أمور يشغف بها المحدث ، من تحصيل النسخ المليحة ، وتطلب الإسناد العالي ، وتكثير الشيوخ ، والفرح بالألقاب ، وتمني العمر الطويل ليروي ، وحب التفرد ، إلى أمور عديدة لازمة للأغراض النفسانية لا للأعمال الربانية .

قال : فإذا كان طلبك للحديث النبوي محفوفا بهذه الآفات ، فمتى خلاصك منها إلى الإخلاص ؟ وإذا كان علم الآثار مدخولا ، فما ظنك بعلوم الأوائل التي تنكث الأيمان وتورث الشكوك ؟ ولم تكن - والله - في عصر الصحابة والتابعين ، بل كانت علومهم القرآن والحديث والفقه . انتهى .

على أن جماعة منهم الثوري قال كل منهم : لا أعلم عملا أفضل من طلب الحديث لمن أراد به الله عز وجل . فيحمل على ما إذا خلص من هذه الشوائب كما هو صريحه ، وحينئذ فهو أفضل من التطوع بالصوم والصلاة لأنه فرض على الكفاية .

التالي السابق


الخدمات العلمية