الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        العبد يكفر عن اليمين وغيرها بالصوم ، لأنه لا يملك على الأظهر ، وإن قلنا يملك بتمليك سيده ، فإن أطلق التمليك ، لم يملك إخراج الكفارة بغير إذن سيده ، وإن ملكه الطعام أو الكسوة ليخرجه في [ ص: 24 ] الكفارة ، أو ملكه مطلقا ثم أذن له في ذلك ، كفر بالإطعام أو الكسوة . وقد ذكرنا ذلك في الكفارات ، وذكرنا أنه لو ملكه عبدا ليعتقه عن الكفارة لم يقع عن الكفارة على المذهب ، وبناه الإمام على أنه لو ملكه عبدا ، وأذن في إعتاقه متبرعا ، فلمن الولاء فيه ؟ أقوال . أحدها : للسيد ، لقصور العبد عن استحقاق حقوق الولاء من الإرث والولاية . والثاني ، يوقف . فإن عتق العبد ، بان أن الولاء له ، وإن مات رقيقا ، فلسيده . والثالث : للعبد ، فعلى هذا ، إن أذن له في الإعتاق عن الكفارة ، وقع عنها ، وثبت له الولاء ، وإن قلنا : الولاء للسيد ، وقع العتق له على الأصح ، وكأن الملك انقلب إليه ، وفي وجه وقول : يقع عن العبد ، ويجزئه عن الكفارة ، ويختص التعذر بالولاء ، وإن قلنا بالتوقف في الولاء ، فوجهان : قال القفال : تجزئ عن الكفارة ، وقال الصيدلاني ، والقاضي حسين : يتوقف في الوقوع عن الكفارة ، تبعا للولاء ، فإذا قلنا في هذه التفاريع ، يقع العتق عن الكفارة فأذن السيد في الإعتاق في كفارة مرتبة ، فهل له أن يكفر بالصوم لضعف ملكه ؟ فيه احتمالان للإمام ، لأنه لا يعد موسرا ، ولهذا ينفق على زوجته نفقة المعسر ، وإن ملكه السيد أموالا عظيمة . ولو أعتق المكاتب عن كفارته بإذن سيده ، وصححنا تبرعاته بإذن سيده ، قال الصيدلاني : الذي ذكره الأصحاب أنه تبرأ ذمته عن الكفارة ، وعندي أن الأمر موقوف ، فقد يعجز ، فيرق ، فيكون الولاء موقوفا ، فيجب التوقف في الكفارة ، ولو كفر السيد عن العبد بإطعام ، أو كسوة ، أو إعتاق بإذنه ، فهو على الخلاف في أنه يملك بالتمليك بتفريعه ، وإذا كفر بالصوم ، فهل يستقبل به ؟ أم يحتاج إلى إذن السيد ؟ فيه خلاف وتفصيل ، سبق في الكفارات . وحيث يحتاج ، فللسيد منع الأمة من الصوم ، لأنه يفوت الاستمتاع ، والكفارة على التراخي ، وله منع العبد عن الصوم إن كان [ ص: 25 ] يضعف به عن الخدمة ، أو يناله ضرر ، وإلا فلا منع على الأصح ، وعلى هذا لا يمنعه من صوم التطوع ، وصلاة التطوع ، في مثل هذه الحالة في غير زمان الخدمة ، كما لا يمنعه من الذكر ، وقراءة القرآن ، في تردداته ، وحيث احتاج إلى الإذن ، فصام بلا إذن ، أجزأه ، كما لو صلى الجمعة بلا إذن . ولو مات العبد ، وعليه كفارة يمين ، فللسيد أن يكفر عنه بالإطعام ، وإن قلنا : لا يملك بالتمليك ، لأن التكفير عنه في الحياة يتضمن دخوله في ملكه ، والتكفير بعد الموت لا يستدعي ذلك ، ولأنه ليس للميت ملك محقق ، ولأن الرق لا يبقى بعد الموت ، فهو والحر سواء ، هذا ما قطع به الأصحاب ، وفيه احتمال للإمام ، فعلى الأول : لو أعتق عنه ، لم يجزئه ، على الأصح ، لما ذكرنا من أشكال الولاء .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية