الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1960 - مسألة : ومن طلق وهو غير قاصد إلى الطلاق ، لكن أخطأ لسانه ؟ فإن قامت عليه بينة قضي عليه بالطلاق ، وإن لم تقم عليه بينة لكن أتى مستفتيا لم يلزمه الطلاق .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك - : قول الله عز وجل : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } .

                                                                                                                                                                                          وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى } فصح أن لا عمل إلا بنية ولا نية إلا بعمل .

                                                                                                                                                                                          وأما إذا قامت بذلك بينة فإنه حق قد ثبت ، وهو في قوله : لم أنو الطلاق ، مدع بطلان ذلك الحق الثابت ، فدعواه باطل - . [ ص: 460 ]

                                                                                                                                                                                          روينا من طريق وكيع عن ابن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة عن خيثمة بن عبد الرحمن قال : قالت امرأة لزوجها : سمني ؟ فسماها الظبية ، قالت : ما قلت شيئا ؟ قال : فهات ما أسميك به ؟ قالت : سمني خلية طالق ، قال : فأنت خلية طالق ، فأتت عمر بن الخطاب فقالت : إن زوجي طلقني ؟ فجاء زوجها فقص عليه القصة ؟ فأوجع عمر رأسها ، وقال لزوجها : خذ بيدها وأوجع رأسها .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : أما مثل هذا فحتى لو قامت به بينة لم يكن طلاقا - .

                                                                                                                                                                                          وروي قولنا عن إياس بن معاوية .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : إذا قال : أنت طالق ألبتة - وهو يريد أن يحلف على شيء - ثم بدا له فترك اليمين ؟ فليست طالقا ، لأنه لم يرد أن يطلقها - .

                                                                                                                                                                                          وهو قول الليث بن سعد .

                                                                                                                                                                                          وقال الشافعي : ما غلب المرء على لسانه بغير اختيار منه لذلك فهو كلا قول ، لا يلزمه به طلاق ولا غيره .

                                                                                                                                                                                          قال أبو حنيفة وأصحابه : من أراد أن يقول شيئا لامرأته فسبقه لسانه فقال : أنت طالق ، لزمه الطلاق في القضاء ، وفي الفتيا ، وبينه وبين الله عز وجل .

                                                                                                                                                                                          وكذلك لو أراد أن يقول : أنت طالق ثلاثا إن دخلت الدار ، فقال : أنت طالق ثلاثا ، ثم بدا له عن اليمين ، أو قطع به عن ذلك قاطع فلم يلفظ بما أراد أن يقول فهي طالق في الفتيا ، والقضاء ، وبينه وبين الله عز وجل سواء دخلت الدار أو لم تدخل .

                                                                                                                                                                                          قال أبو حنيفة : فلو أراد أن يقول : أنت حرة إن دخلت الدار ، فقال : أنت حرة ، ثم بدا له عن اليمين ، أو قطعه عنه قاطع ، فهي حرة في الفتيا : وفي القضاء ، وبينه وبين الله عز وجل دخلت الدار أو لم تدخل .

                                                                                                                                                                                          فلو أراد أن يقول لها كلاما فأخطأ فسبقه لسانه فقال : أنت حرة ؟ قال أبو حنيفة : لا تكون بذلك حرة ، ولا يلزمه العتق ، بخلاف الطلاق ، وبخلاف المسألة في العتق التي ذكرنا آنفا - وقال أصحابه : كل ذلك سواء .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : أما قول أبي حنيفة ففي غاية الفساد والمناقضة .

                                                                                                                                                                                          وأما قول مالك - فمناقض لقوله في التحريم ، وفي حبلك على غاربك ، وسائر ما [ ص: 461 ] رأى التحريم يدخل فيه بأرق الأسباب - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية