الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين

                                                                                                                                                                                                                                        (121) وذلك يوم "أحد" حين خرج -صلى الله عليه وسلم- بالمسلمين، حين وصل المشركون- بجمعهم- إلى قريب من "أحد". فنزلهم -صلى الله عليه وسلم- منازلهم، ورتبهم في مقاعدهم، ونظمهم تنظيما عجيبا، يدل على كمال رأيه وبراعته الكاملة في فنون السياسة والحرب، كما كان كاملا في كل المقامات، والله سميع عليم لا يخفى عليه شيء من أموركم.

                                                                                                                                                                                                                                        (122) إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا وهم بنو سلمة وبنو حارثة، لكن تولاهما الباري بلطفه ورعايته وتوفيقه، وعلى الله فليتوكل المؤمنون فإنهم إذا توكلوا عليه، كفاهم وأعانهم وعصمهم من وقوع ما يضرهم في دينهم ودنياهم. [ ص: 237 ]

                                                                                                                                                                                                                                        وفي هذه الآية ونحوها وجوب التوكل، وأنه على حسب إيمان العبد يكون توكله، والتوكل هو اعتماد العبد على ربه في حصول منافعه ودفع مضاره.

                                                                                                                                                                                                                                        فلما ذكر حالهم في "أحد" وما جرى عليهم من المصيبة، أدخل فيها تذكيرهم بنصره ونعمته عليهم يوم "بدر" ليكونوا شاكرين لربهم، وليخفف هذا هذا، فقال:

                                                                                                                                                                                                                                        (123) ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة في عددكم وعددكم، فكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر، في قلة ظهر ورثاثة سلاح، وأعداؤهم يناهزون الألف، في كمال العدة والسلاح، فاتقوا الله لعلكم تشكرون الذي أنعم عليكم بنصره.

                                                                                                                                                                                                                                        (124) إذ تقول مبشرا للمؤمنين مثبتا لجنانهم ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين .

                                                                                                                                                                                                                                        (125) بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا أي: من حملتهم هذه بهذا الوجه، يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين أي: معلمين علامة الشجعان، واختلف الناس، هل كان هذا الإمداد حصل فيه من الملائكة مباشرة للقتال، كما قاله بعضهم، أو أن ذلك تثبيت من الله لعباده المؤمنين، وإلقاء الرعب في قلوب المشركين كما قاله كثير من المفسرين، ويدل عليه قوله:

                                                                                                                                                                                                                                        (126) وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم وفي هذا أن الأسباب لا يعتمد عليها العبد، بل يعتمد على الله، وإنما الأسباب وتوفرها فيها طمأنينة للقلوب، وثبات على الخير.

                                                                                                                                                                                                                                        (127) ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين أي: نصر الله لعباده المؤمنين لا يعدو أن يكون قطعا لطرف من الكفار، أو ينقلبوا بغيظهم، لم ينالوا خيرا، كما أرجعهم يوم الخندق، بعدما كانوا قد أتوا على حرد قادرين، أرجعهم الله بغيظهم خائبين.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية