الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                وهذه فروع : الأول : هل يجوز للإنسي نكاح الجنية قال العماد بن يونس في شرح الوجيز : نعم وفي المسائل التي سأل الشيخ جمال الدين الإسنوي عنها قاضي القضاة شرف الدين البارزي إذا أراد أن يتزوج بامرأة من الجن - عند فرض إمكانه - فهل يجوز ذلك أو يمتنع فإن الله تعالى قال { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا } فامتن الباري تعالى بأن جعل ذلك من جنس ما يؤلف .

                فإن جوزنا ذلك - وهو المذكور في شرح الوجيز لابن يونس - فهل يجبرها على ملازمة المسكن أو لا ؟ وهل له منعها من التشكل في غير صور الآدميين عند القدرة عليه ، لأنه قد تحصل النفرة أو لا ، وهل يعتمد عليها فيما يتعلق بشروط صحة النكاح من أمر وليها وخلوها عن الموانع أو لا ، وهل يجوز قبول ذلك من قاضيهم أو لا ، وهل إذا رآها في صورة غير التي ألفها وادعت أنها هي ، فهل يعتمد عليها ويجوز له وطؤها أو لا ، وهل يكلف الإتيان بما يألفونه من قوتهم ، كالعظم وغيره إذا أمكن الاقتيات بغيره أو لا .

                فأجاب : لا يجوز له أن يتزوج بامرأة من الجن ، لمفهوم الآيتين الكريمتين ، قوله تعالى في سورة النحل { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا } وقوله في سورة الروم { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا } قال المفسرون في معنى الآيتين { جعل لكم من أنفسكم } أي من جنسكم ونوعكم وعلى خلقكم ، كما قال تعالى { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } أي من الآدميين ; ولأن اللاتي يحل نكاحهن : بنات العمومة وبنات الخؤولة ، فدخل في ذلك من هي في نهاية البعد كما هو المفهوم من آية الأحزاب { وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك } والمحرمات غيرهن ، وهن الأصول والفروع ، وفروع أول الأصول وأول الفروع من باقي الأصول ، كما في آية التحريم في النساء ، فهذا كله في النسب ، وليس بين الآدميين والجن نسب . هذا جواب البارزي .

                فإن قلت : ما عندك من ذلك . قلت : الذي أعتقده التحريم ، لوجوه : منها : ما تقدم من الآيتين . [ ص: 257 ] ومنها : ما روى حرب الكرماني في مسائله عن أحمد وإسحاق قالا : حدثنا محمد بن يحيى القطيعي حدثنا بشر بن عمر حدثنا ابن لهيعة عن يونس بن يزيد عن الزهري قال { : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح الجن } والحديث وإن كان مرسلا فقد اعتضد بأقوال العلماء .

                فروي المنع منه عن الحسن البصري ، وقتادة ، والحكم بن عيينة وإسحاق بن راهويه ، وعقبة الأصم . وقال الجمال السجستاني من الحنفية . في كتاب " منية المفتي عن الفتاوى السراجية " لا يجوز المناكحة بين الإنس والجن ، وإنسان الماء لاختلاف الجنس .

                ومنها : أن النكاح شرع للألفة ، والسكون ، والاستئناس ، والمودة ، وذلك مفقود في الجن ، بل الموجود فيهم ضد ذلك ، وهو العداوة التي لا تزول . ومنها : أنه لم يرد الإذن من الشرع في ذلك ، فإن الله تعالى قال { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } والنساء : اسم لإناث بني آدم خاصة ، فبقي ما عداهن على التحريم ; لأن الأصل في الأبضاع الحرمة حتى يرد دليل على الحل .

                ومنها : أنه قد منع من نكاح الحر للأمة ; لما يحصل للولد من الضرر بالإرقاق ، ولا شك أن الضرر بكونه من جنية وفيه شائبة من الجن خلقا وخلقا ، وله بهم اتصال ومخالطة أشد من ضرر الإرقاق الذي هو مرجو الزوال بكثير ، فإذا منع من نكاح الأمة مع الاتحاد في الجنس للاختلاف في النوع ، فلأن يمنع من نكاح ما ليس من الجنس من باب أولى . وهذا تخريج قوي ، لم أر من تنبه له .

                ويقويه أيضا أنه نهى عن إنزاء الحمر على الخيل ، وعلة ذلك : اختلاف الجنس وكون المتولد منها يخرج عن جنس الخيل ، فيلزم منه قلتها ، وفي حديث النهي { إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون } فالمنع من ذلك فيما نحن فيه أولى . وإذا تقرر المنع ، فالمنع من نكاح الجني الإنسية أولى وأحرى ، لكن روى أبو عثمان سعيد بن العباس الرازي ، في كتاب : الإلهام والوسوسة ، فقال : حدثنا مقاتل ، حدثني سعيد بن داود الزبيدي قال : كتب قوم من أهل اليمن إلى مالك يسألونه عن نكاح الجن ، وقالوا : إن ههنا رجلا من الجن يخطب إلينا جارية يزعم أنه يريد الحلال ، فقال " ما أرى بذلك بأسا في الدين ولكن أكره إذا وجدت امرأة حامل ، قيل لها : من زوجك ؟ قالت : من الجن ، فيكثر الفساد في الإسلام بذلك " انتهى .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية