الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1961 - مسألة : ولا يلزم المشرك طلاقه ، وأما نكاحه ، وبيعه ، وابتياعه ، وهبته ، وصدقته ، وعتقه ، ومؤاجرته : فجائز كل ذلك .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك : قول النبي عليه الصلاة والسلام { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } .

                                                                                                                                                                                          وقول الله عز وجل : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه }

                                                                                                                                                                                          فصح بهذين النصين أن كل من عمل بخلاف ما أمر الله عز وجل به ، أو رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فهو باطل لا يعتد به .

                                                                                                                                                                                          ولا شك في أن الكافر مأمور بقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ملزم ذلك ، متوعد على تركه بالخلود بين أطباق النيران فكل كلام قاله ، وترك الشهادة المذكورة : فقد وضع ذلك الكلام غير موضعه ، فهو غير معتد .

                                                                                                                                                                                          فإن قيل : فمن أين أجزتم سائر عقوده التي ذكرتم ؟ قلنا : أما النكاح فلأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجاز نكاح أهل الشرك ، وأبقاهم بعد إسلامهم عليه .

                                                                                                                                                                                          وأما بيعه ، وابتياعه : فلأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يعامل تجار الكفار ، { ومات عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند يهودي في أصواع شعير } .

                                                                                                                                                                                          وأما مؤاجرته - فلأن { رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استأجر ابن أرقط ليدل به إلى المدينة وهو كافر } { وعامل يهود خيبر على عمل أرضها وشجرها بنصف ما يخرج الله عز وجل من ذلك } .

                                                                                                                                                                                          وأما هبته ، وصدقته وعتقه { فلقول حكيم بن حزام يا رسول الله ، أشياء كنت أتحنث بها في الجاهلية من عتاقة وصلة رحم وصدقة ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسلمت على ما أسلفت من خير } .

                                                                                                                                                                                          فسمى عليه الصلاة والسلام كل ذلك خيرا ، وأخبر : أنه معتد له به - : فبقي الطلاق لم يأت في إمضائه نص : فثبت على أصله المتقدم . [ ص: 462 ]

                                                                                                                                                                                          فإن قيل : فقد قال الله تعالى : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم } .

                                                                                                                                                                                          قلنا : نعم ، وهذا الذي حكمنا به بينهم هو مما أنزل الله تعالى كما ذكرنا .

                                                                                                                                                                                          وقد اختلف الناس في هذا - : فرويناه من طريق قتادة أن رجلا طلق امرأته طلقتين في الجاهلية ، وطلقة في الإسلام فسأل عمر ؟ فقال له عمر : لا آمرك ولا أنهاك ؟ فقال له عبد الرحمن بن عوف : لكنني آمرك ، ليس طلاقك في الشرك بشيء - وبهذا كان يفتي قتادة .

                                                                                                                                                                                          وصح عن الحسن ، وربيعة - وهو قول مالك ، وأبي سليمان ، وأصحابهما .

                                                                                                                                                                                          وصح عن عطاء ، وعمرو بن دينار ، وفراس الهمداني ، والزهري ، والنخعي ، وحماد بن أبي سليمان إجازة طلاق المشرك

                                                                                                                                                                                          هو قول الأوزاعي ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهما .

                                                                                                                                                                                          فإن قيل : فقد رويتم من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار ، قال : لقد طلق رجال نساء في الجاهلية ثم جاء الإسلام فما رجعن إلى أزواجهن ؟ قال أبو محمد : هذا لا حجة فيه لوجوه - :

                                                                                                                                                                                          أولها - أنه مرسل ، وأن عمرو بن دينار من الجاهلية .

                                                                                                                                                                                          وثانيها - أنه ليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منع من ذلك .

                                                                                                                                                                                          وثالثها - أننا لم نمنع نحن من أن يكون قوم رأوا أن ذلك نافذ ، ولا حجة في ذلك ، إلا أن يعلمه عليه الصلاة والسلام فيقره .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية