الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولقد أوحينا إلى موسى أن اسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى .

افتتاح الجملة بحرف التحقيق للاهتمام بالقصة ليلقي السامعون إليها أذهانهم . وتغيير الأسلوب في ابتداء هذه الجملة مؤذن بأن قصصا طويت بين ذكر القصتين ، فلو اقتصر على حرف العطف لتوهم أن حكاية القصة الأولى لم تزل متصلة فتوهم أن الأمر بالخروج وقع مواليا لانتهاء محضر السحرة ، مع أن بين ذلك قصصا كثيرة ذكرت في سورة الأعراف وغيرها ، فإن الخروج وقع بعد ظهور آيات كثيرة لإرهاب فرعون كلما هم بإطلاق بني إسرائيل للخروج . ثم نكل إلى أن أذن لهم بأخرة فخرجوا ثم ندم على ذلك فأتبعهم . [ ص: 270 ] فجملة ( ولقد أوحينا إلى موسى ) ابتدائية ، والواو عاطفة قصة على قصة وليست عاطفة بعض أجزاء قصة على بعض آخر .

و ( أسر ) أمر من السرى - بضم السين وفتح الراء - وتقدم في سورة الإسراء أنه يقال : سرى وأسرى . وإنما أمره الله بذلك تجنبا لنكول فرعون عليهم . والإضافة في قوله بعبادي لتشريفهم وتقريبهم والإيماء إلى تخليصهم من استعباد القبط وأنهم ليسوا عبيدا لفرعون . والضرب : هنا بمعنى الجعل كقولهم : ضرب الذهب دنانير . وفي الحديث : واضربوا إلي معكم بسهم ، وليس هو كقوله ( أن اضرب بعصاك البحر ) لأن الضرب هناك متعد إلى البحر وهنا نصب طريقا .

واليبس - بفتح المثناة والموحدة . ويقال : بسكون الموحدة : وصف بمعنى اليابس . وأصله مصدر كالعدم والعدم ، وصف به للمبالغة ولذلك لا يؤنث فقالوا : ناقة يبس ؛ إذا جف لبنها .

و ( لا تخاف ) مرفوع في قراءة الجمهور ، وعد لموسى اقتصر على وعده دون بقية قومه لأنه قدوتهم فإذا لم يخف هو تشجعوا وقوي يقينهم ، فهو خبر مراد به البشرى . والجملة في موضع الحال .

وقرأ حمزة وحده ( لا تخف ) على جواب الأمر الذي في قوله فاضرب ، وكلمة ( تخف ) مكتوبة في المصاحف بدون ألف ؛ لتكون قراءتها بالوجهين لكثرة نظائر هذه الكلمة ذات الألف في وسطها في رسم المصحف ويسميه المؤدبون المحذوف .

وأما قوله ( ولا تخشى ) فالإجماع على قراءته بألف في آخره . فوجه قراءة حمزة فيها مع أنه قرأ بجزم المعطوف عليه [ ص: 271 ] أن تكون الألف للإطلاق لأجل الفواصل مثل ألف ( فأضلونا السبيلا ) وألف ( وتظنون بالله الظنونا ) ، أو أن تكون الواو في قوله ( ولا تخشى ) للاستئناف لا للعطف .

والدرك - بفتحتين اسم مصدر الإدراك ، أي لا تخاف أن يدركك فرعون .

و الخشية : شدة الخوف . وحذف مفعوله لإفادة العموم ، أي لا تخشى شيئا ، وهو عام مراد به الخصوص ، أي لا تخشى شيئا مما يخشى من العدو ولا من الغرق .

التالي السابق


الخدمات العلمية