الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الرابعة : في الحلف على المساكنة . قال الشافعي - رحمه الله - : المساكنة : أن يكونا في بيت أو بيتين حجرتهما واحدة ، ومدخلهما واحد . قال الشيخ أبو حامد : أراد بالحجرة : الصحن ، فإن أقام كل واحد في دار ، فلا مساكنة ، سواء كانت الداران كبيرتين ، أو صغيرتين ، أو إحداهما كبيرة والأخرى صغيرة ، كحجرة لطيفة بجنب دار ، وسواء كانتا في درب نافذ أو غير نافذ . فإن سكنا في بيتين من خان كبير أو صغير ، أو من دار كبيرة ، فثلاثة أوجه . الأصح : لا مساكنة ، سواء كان البيتان متلاصقين أو متفرقين ، والثاني : بلى . والثالث : تثبت [ ص: 32 ] المساكنة في الدار دون الخان ، لأنها تعد مسكنا لواحد ، والخان يبنى لسكنى جماعة ، ويشبه أن لا يشترط في الخان أن يكون على البيت باب وغلق ، كالدور في الدرب ، ويشترط في الدار الكبيرة أن يكون على كل بيت منها باب وغلق ، فإن لم يكونا ، أو سكنا في صفتين منها ، أو في بيت وصفة ، فهما متساكنان

                                                                                                                                                                        [ في العادة . ولو أقاما في بيتين من دار صغيرة ، فهما متساكنان ] وإن كان لكل واحد باب وغلق ، لمقاربتهما وكونهما في الأصل مسكنا واحدا بخلاف الخان الصغير ، وهكذا فصل الأكثرون ، ومنهم من أطلق وجهين في بيتي الدار ، ولم يفرق بين الصغيرة والكبيرة ، ورأى الأصح حصول المساكنة . وعلى هذا لو كان أحدهما في الدار ، والآخر في حجرة منفردة المرافق وبابها في الدار ، فلا مساكنة على الأصح ، وبه قطع البغوي في حجرتين منفردتي المرافق في دار . والمرفق المستحم والمطبخ ، والمرقى وغيرها ، ولم يذكروا في الحجرة في الخان خلافا وإن كان المرقى في الخان .

                                                                                                                                                                        إذا تقرر هذا فقال : والله لا أساكن زيدا ، فإما أن يقيد المساكنة ببعض المواضع لفظا ، بأن يقول : في هذا البيت ، أو هذه الدار ، وإما أن لا يقيد .

                                                                                                                                                                        الحالة الأولى : أن يقيد ، فيحنث بتساكنهما في ذلك الموضع ، فإن كانا فيه عند الحلف ، ففارق أحدهما الآخر ، لم يحنث ، وإن مكثا فيه بلا عذر ، حنث . فإن بني بينهما حائل من طين أو غيره ، ولكل واحد من الجانبين مدخل ، أو أحدثا مدخلا ، فوجهان ، أحدهما : لا يحنث لاشتغاله برفع المساكنة ، ورجحه البغوي . وأصحهما عند الجمهور : يحنث لحصول المساكنة إلى تمام البناء بغير ضرورة . فإن [ ص: 33 ] خرج أحدهما في الحال فبني الجدار ، ثم عاد ، لم يحنث الحالف . ولا يخفى أنه لا بأس والحالة هذه بالمساكنة في موضع آخر .

                                                                                                                                                                        الحالة الثانية : أن لا يقيدها لفظا ، فينظر ، إن نوى موضعا معينا من بيت أو دار أو درب أو محلة أو بلد ، فالمذهب ، والذي قطع به الجمهور أن اليمين محمولة على ما نوى . وقيل : إن كانا يسكنان بيتا من دار متحدة المرافق ، ونوى أن لا يساكنه ، حملت اليمين عليه ، وإن لم يكن كذلك ، ولا جرى ذكر تلك المساكنة ، كقول صاحبه : ساكني في هذا البيت ، لم يقبل قوله ، وتحمل اليمين على الدار وفي البلد وجه أن اللفظ لا ينزل عليه ، لأنه لا يسمى مساكنة . وقيل : يجيء هذا الوجه في المحلة . وإن لم ينو موضعا ، وأطلق المساكنة ، حيث بالمساكنة في أي موضع كان ، وحكى المتولي قولا أنه إذا أطلق وكل واحد منهما في دار وحجرة منفردة ، حملت اليمين على الاجتماع الحاصل ، فإن كانا في درب ، فلا بد من مفارقة أحدهما الدرب ، وإن كانا في محلة فلا بد من مفارقة أحدهما المحلة ، والمشهور الأول ، فعلى هذا لو كانا عند الحلف في بيتين من خان ، فلا مساكنة ، ولا حاجة إلى مفارقة أحدهما الآخر ، وعلى القول الشاذ يشترط مفارقته . وإن كانا في بيت من الخان ، فهل يكفي مفارقة أحدهما ذلك البيت ، أم يشترط مفارقته الخان ؟ فيه هذا الخلاف . ثم سواء نوى موضعا معينا أو أطلق ، فالقول في أن استدامة المساكنة مساكنة ، وفي الحائل المبني بينهما على ما سبق في الحالة الأولى . والاعتبار بالانتقال بالبدن ، دون الأهل والمال كما سبق .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية