الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 282 ] باب قتل المحرم الصيد عمدا أو خطأ

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وعلى من قتل الصيد الجزاء عمدا كان أو خطأ ، والكفارة فيهما سواء لأن كلا ممنوع بحرمة وكان فيه الكفارة ، وقياس ما اختلفوا من كفارة قتل المؤمن عمدا على ما أجمعوا عليه من كفارة قتل الصيد عمدا ( قال ) والعامد أولى بالكفارة في القياس من المخطئ " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال : قتل الصيد حرام في الحرم والإحرام وهو مضمون بالجزاء عمدا كان أو خطأ . قال الله تعالى : ياأيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم [ المائدة : 94 ] ، ففي قوله ليبلونكم تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : معناه ليختبرنكم .

                                                                                                                                            والثاني : ليكلفنكم . وفي قوله تعالى : تناله أيديكم ورماحكم تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : " تناله أيديكم " البيض ، ورماحكم : الصيد وهو قول مجاهد .

                                                                                                                                            والثاني : تناله أيديكم صغار الصيد وما ضعف منه ورماحكم كبار الصيد وما قوي منه وهو قول ابن عباس ، والآية تحتمل التأويلين معا ، ثم قال تعالى : ليعلم الله من يخافه بالغيب [ المائدة : 194 ] وفيه تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن معناه لتعلموا أنتم أن الله يعلم من يخافه بالغيب كما قال تعالى : فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين [ سبأ : 14 ] . معناه : تبينت الجن أن الإنس قد علموا أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في المهين .

                                                                                                                                            والثاني : أن معناه إلا ليعلم علم مشاهدة ونظر ، فهذه الآية تدل على أن الصيد حكما قد ابتلي به الخلق من غير أن يعلم منه تحريم قتله على المحرم ولا إيجاب الجزاء فيه ، ثم يبين سبحانه تحريم قتله وإيجاب الجزاء فيه بقوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم [ المائدة : 95 ] ، فيستدل بهذه الآية على تحريم قتل الصيد على المحرم وإيجاب الجزاء فيه ، ودل على ذلك قوله تعالى : أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما [ المائدة : 96 ] ، وفي قوله تعالى : وطعامه متاعا لكم تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول ابن عباس وهو ما لفظه البحر .

                                                                                                                                            [ ص: 283 ] والثاني : وهو قول سعيد بن المسيب ما تزود به مملوحا ، وفيه تأويل ثالث حكاه الشافعي - رضي الله عنه - عن بعض أهل التفسير في كتاب " اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى " " أن طعامه كل ما فيه " وهذا أعم التأويلين ، فكانت هذه الآية دالة على تحريم قتل الصيد دون إيجاب الجزاء فيه ودل على تحريمه من السنة رواية ابن عباس ؛ قال : أخبرني الصعب بن جثامة قال : أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حمار وحشي وهو بالأبواء - أو بودان - فرده عليه فلما رأى الكراهة في وجهي قال : " إنه ليس منا رد عليك ولكنا حرم " .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية