الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب الخيار للأمة إذا عتقت تحت عبد 2711 - ( عن القاسم عن عائشة : { أن بريرة كانت تحت عبد ، فلما أعتقتها قال [ ص: 181 ] لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : اختاري فإن شئت أن تمكثي تحت هذا العبد ، وإن شئت أن تفارقيه } رواه أحمد والدارقطني ) .

                                                                                                                                            2712 - ( وعن القاسم عن عائشة : { أن بريرة خيرها النبي صلى الله عليه وسلم وكان زوجها عبدا } رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه )

                                                                                                                                            2713 - ( وعن عروة عن عائشة : { أن بريرة أعتقت وكان زوجها عبدا فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان حرا لم يخيرها } رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه ) .

                                                                                                                                            2714 - ( وعن عروة عن عائشة : { أن بريرة أعتقت وهي عند مغيث عبد لآل أبي أحمد ، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إن قربك فلا خيار لك } رواه أبو داود ، وهو دليل على أن الخيار على التراخي ما لم تطأ ) .

                                                                                                                                            2715 - ( وعن ابن عباس قال : كان زوج بريرة عبدا أسود يقال له مغيث عبدا لبني فلان كأني أنظر إليه يطوف وراءها في سكك المدينة رواه البخاري وفي لفظ : أن زوج بريرة كان عبدا أسود لبني مغيرة يوم أعتقت بريرة ، والله لكأني به في المدينة ونواحيها ، وإن دموعه لتسيل على لحيته ، يترضاها لتختاره فلم تفعل رواه الترمذي وصححه ، وهو صريح ببقاء عبوديته يوم العتق ) .

                                                                                                                                            2716 - ( وعن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت { : كان زوج بريرة حرا ، فلما أعتقت خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختارت نفسها } رواه الخمسة قال البخاري : قول الأسود منقطع ، ثم عائشة عمة القاسم وخالة عروة فروايتهما عنها أولى من رواية أجنبي يسمع من وراء حجاب )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            رواية أنه كان عبدا ثابتة أيضا من طريق ابن عمر عند الدارقطني والبيهقي قال : " كان [ ص: 182 ] زوج بريرة عبدا ، وفي إسناده ابن أبي ليلى وهو ضعيف ومن طريق صفية بنت أبي عبيد عند النسائي والبيهقي بإسناد صحيح وروى ابن سعد في الطبقات عن عبد الوهاب عن داود بن عطاء بن أبي هند عن عامر الشعبي : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة لما عتقت : قد عتق بضعك معك فاختاري } ووصل هذا المرسل الدارقطني من طريق أبان بن صالح عن هشام عن أبيه عن عائشة ، وهذه الرواية مطلقة وليس فيها ذكر أنه كان عبدا أو حرا وروى شعبة عن عبد الرحمن أنه قال : ما أدري أحر أم عبد ، وهذا شك ، وهو غير قادح في روايات الجزم .

                                                                                                                                            وكذلك الرواية المطلقة تحمل على الروايات المقيدة والحاصل أنه قد ثبت من طريق ابن عباس وابن عمر وصفية بنت أبي عبيد أنه كان عبدا ، ولم يرو عنهم ما يخالف ذلك وثبت عن عائشة من طريق القاسم وعروة أنه كان عبدا ومن طريق الأسود أنه كان حرا ، ورواية اثنين أرجح من رواية واحد على فرض صحة الجمع ، فكيف إذا كانت رواية الواحد معلولة بالانقطاع كما قال البخاري وروي عن البخاري أيضا أنه قال : هي من قول الحكم وقول ابن عباس : إنه كان عبدا ، أصح وقال البيهقي : روينا عن القاسم ابن أخيها ، وعن عمرة ومجاهد وعروة ، كلهم عن عائشة { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : إن شئت أن تتوي تحت العبد } .

                                                                                                                                            قال المنذري : وروي عن الأسود أنه كان عبدا ، فاختلف عليه مع أن بعضهم يقول : إن لفظ : إنه كان حرا ، من قول إبراهيم وإذا تعارضت الرواية عن الأسود فتطرح ويرجع إلى رواية الجماعة عن عائشة على أنا لو فرضنا أن الروايات عن عائشة متعارضة ليس لبعضها مرجح على بعض كان الرجوع إلى رواية غيرها بعد إطراح روايتها وقد روى غيرها أنه كان عبدا على طريق الجزم فلم يبق حينئذ شك في رجحان عبوديته وقال أحمد بن حنبل : إنما يصح أنه كان حرا عن الأسود وحده ، وما جاء عن غيره فليس بذاك وصح عن ابن عباس وغيره أنه كان عبدا ورواه علماء المدينة ، وإذا روى علماء المدينة شيئا وعملوا به فهو أصح وقال الدارقطني : قال عمران بن جرير عن عكرمة عن عائشة : كان حرا ، وهو وهم في شيئين : في قوله : كان حرا ، وفي قوله : عن عائشة ، وإنما هو من رواية عكرمة عن ابن عباس ، ولم يختلف على ابن عباس أنه كان عبدا ، وكذا جزم الترمذي عن ابن عمر وقال ابن القيم في الهدي : إن حديث عائشة رواه ثلاثة : الأسود وعروة والقاسم فأما الأسود فلم يختلف عنه أنه كان حرا وأما عروة فعنه روايتان صحيحتان متعارضتان إحداهما : أنه كان حرا .

                                                                                                                                            والثانية : أنه كان عبدا وأما عبد الرحمن بن القاسم فعنه روايتان صحيحتان إحداهما أنه كان حرا والثانية الشك انتهى . وقد عرفت مما سلف ما يخالف هذا ، وعلى فرض صحته فغاية الأمر أن الروايات عن عائشة متعارضة فيرجع [ ص: 183 ] إلى رواية غيرها ، وقد عرفت أنها متفقة على الجزم بكونه عبدا

                                                                                                                                            وقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان الزوج حرا هل يثبت للزوجة الخيار أم لا ؟ فذهب الجمهور إلى أنه لا يثبت وجعلوا العلة في الفسخ عدم الكفاءة لأن المرأة إذا صارت حرة وكان زوجها عبدا لم يكن كفؤا لها ويؤيد هذا قول عائشة في حديث الباب " ولو كان حرا لم يخيرها " ولكنه قد تعقب ذلك بأن هذه الزيادة مدرجة من قول عروة كما صرح بذلك النسائي في سننه ، وبينه أيضا أبو داود في رواية مالك ، .

                                                                                                                                            ولو سلم أنه من قولها فهو اجتهاد وليس بحجة

                                                                                                                                            وذهبت العترة والشعبي والنخعي والثوري والحنفية إلى أنه يثبت الخيار ولو كان الزوج حرا ، وتمسكوا أولا بتلك الرواية التي فيها أنه كان زوج بريرة حرا ، وقد عرفت عدم صلاحية ذلك للتمسك به ومما يصلح للتمسك به ما وقع في بعض روايات حديث بريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : { ملكت نفسك فاختاري } فإن ظاهر هذا مشعر بأن السبب في التخيير هو ملكها لنفسها وذلك مما يستوي فيه الحر والعبد

                                                                                                                                            وقد أجيب عن ذلك بأنه يحتمل أن المراد من ذلك أنها استقلت بأمر النظر في مصالحها من غير إجبار عليها من سيدها كما كانت من قبل يجبرها سيدها على الزوج ومن جملة ما يصلح للاحتجاج به على عدم الفسخ إذا كان الزوج حرا ما في سنن النسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أيما أمة كانت تحت عبد فعتقت فهي بالخيار ما لم يطأها زوجها } .

                                                                                                                                            وفي إسناده حسين بن عمرو بن أمية الضمري وهو مجهول وأخرج النسائي أيضا عن القاسم بن محمد قال : { كان لعائشة غلام وجارية ، قالت : فأردت أن أعتقهما فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ابدئي بالغلام قبل الجارية } قالوا : ولو لم يكن التخيير ممتنعا إذا كان الزوج حرا ، لم يكن للبداءة بعتق الغلام فائدة ، فإذا بدأت به عتقت تحت حر فلا يكون لها اختيار ، وفي إسناد هذا الحديث عبد الله بن عبد الرحمن وهو ضعيف قال العقيلي : لا يعرف إلا به قال ابن حزم : لا يصح هذا الحديث ، ولو صح لم يكن فيه حجة لأنه ليس فيه أنهما كانا زوجين ولو كانا زوجين يحتمل أن تكون البداءة بالرجل لفضل عتقه على الأنثى كما في الحديث الصحيح

                                                                                                                                            قوله : ( وهي عند مغيث ) بضم الميم وكسر المعجمة ثم تحتية ساكنة ثم مثلثة ووقع عند العسكري بفتح المهملة وتشديد التحتية وآخره باء موحدة وجزم ابن ماكولا وغيره بالأول ووقع عند المستغفري في الصحابة أن اسمه مقسم

                                                                                                                                            . قال الحافظ : وما أظنه إلا تصحيفا قوله : ( إن قربك فلا خيار لك ) فيه دليل على أن خيار من عتقت على التراخي ، وأنه يبطل إذا مكنت الزوج من نفسها وإلى ذلك ذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد والهادوية وهو قول للشافعي وله قول آخر أنه على الفور وفي رواية عنه أنه إلى ثلاثة أيام وقيل : بقيامها من مجلس الحاكم ، وقيل : من [ ص: 184 ] مجلسها ، وهذان القولان للحنفية والقول الأول هو الظاهر لإطلاق التخيير لها إلى غاية هي تمكينها من نفسها ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ : { إذا عتقت الأمة فهي بالخيار ما لم يطأها إن شاءت فارقته ، وإن وطئها فلا خيار لها ولا تستطيع فراقه } وفي رواية للدارقطني : { إذا وطئك فلا خيار لك }




                                                                                                                                            الخدمات العلمية