الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1965 - مسألة : واليمين بالطلاق لا يلزم - سواء بر أو حنث - لا يقع به طلاق ، ولا طلاق إلا كما أمر الله عز وجل ، ولا يمين إلا كما أمر الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك - : قول الله عز وجل : { ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم } وجميع المخالفين لنا هاهنا لا يختلفون في أن اليمين بالطلاق ، والعتاق والمشي إلى مكة ، وصدقة المال فإنه لا كفارة عندهم في حنثه في شيء منه إلا بالوفاء بالفعل ، أو الوفاء باليمين .

                                                                                                                                                                                          فصح بذلك يقينا أنه ليس شيء من ذلك يمينا ، إذ لا يمين إلا ما سماه الله تعالى يمينا .

                                                                                                                                                                                          وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رويناه من طريق أبي عبيد نا إسماعيل بن جعفر نا [ ص: 477 ] عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله } فارتفع الإشكال في أن كل حلف بغير الله عز وجل فإنه معصية وليس يمينا .

                                                                                                                                                                                          وهذا مكان اختلف فيه - فصح : عن الحسن فيمن قال لامرأته : أنت طالق إن لم أضرب غلامي ، فأبق الغلام ؟ قال : هي امرأته ينكحها ويتوارثان حتى يفعل ما قال ، فإن مات الغلام قبل أن يفعل ما قال فقد ذهبت منه امرأته .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن مطر الوراق عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب في رجل طلق امرأته إن لم يفعل كذا ؟ قال : لا يقرب امرأته حتى يفعل ما قال ، فإن مات قبل أن يفعل فلا ميراث بينهما .

                                                                                                                                                                                          وصح خلاف هذا عن طائفة من السلف .

                                                                                                                                                                                          كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء في رجل قال لامرأته : أنت طالق إن لم أتزوج عليك ؟ قال : إن لم يتزوج عليها حتى تموت أو يموت توارثا .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن غيلان بن جامع عن الحكم بن عتيبة قال في الرجل يقول لامرأته : أنت طالق إن لم أفعل كذا - ثم مات أحدهما قبل أن يفعل فإنهما يتوارثان - قال سفيان الثوري : إنما وقع الحنث بعد الموت .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : هذا عجب ؟ ميت يحنث بعد موت - وقد تقصينا هذا في " كتاب الأيمان " من كتابنا هذا .

                                                                                                                                                                                          وممن روي عنه مثل قولنا - : كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أن رجلا تزوج امرأة وأراد سفرا فأخذه أهل امرأته ، فجعلها طالقا إن لم يبعث بنفقتها إلى شهر ، فجاء الأجل ولم يبعث إليها بشيء فلما قدم خاصموه إلى علي فقال علي : اضطهدتموه حتى جعلها طالقا ، فردها عليه .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن شريح : أنه خوصم إليه في رجل طلق امرأته إن أحدث في الإسلام حدثا فاكترى بغلا إلى حمام أعين فتعدى به إلى أصبهان فباعه واشترى به خمرا ؟ فقال شريح : إن شئتم شهدتم عليه أنه طلقها ؟ فجعلوا يرددون عليه القصة ويردد عليهم - فلم يره حدثا ؟

                                                                                                                                                                                          [ ص: 478 ] قال أبو محمد : لا متعلق لهم بما روي من قول علي - رضي الله عنه - اضطهدتموه ، لأنه لم يكن هنالك إكراه ، إنما طالبوه بحق نفقتها فقط فإنما أنكر على اليمين بالطلاق فقط ولم يرد الطلاق يقع بذلك - وكذلك لا متعلق لهم بما في خبر شريح من قول أحد من رواه فلم يره حدثا - فإنما هو ظن من محمد بن سيرين ، أو من هشام بن حسان - وهو ظن خطأ - أو ما نعلم في الإسلام أكثر ممن تعدى من " حمام أعين " وهو على أميال يسيرة دون العشرة من الكوفة إلى أصبهان ، وهي أيام كثيرة من الكوفة ، ثم باع بغل مسلم ظلما واشترى بالثمن خمرا .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول : الحلف بالطلاق ليس شيئا ، قلت : كان يراه يمينا ؟ قال : لا أدري - فهؤلاء : علي بن أبي طالب ، وشريح ، وطاوس لا يقضون بالطلاق على من حلف به فحنث ، ولا يعرف لعلي في ذلك مخالف من الصحابة - رضي الله عنهم - .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : والطلاق بالصفة عندنا كما هو الطلاق باليمين ، كل ذلك لا يلزم - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          ولا يكون طلاقا إلا كما أمر الله تعالى به وعلمه ، وهو القصد إلى الطلاق وأما ما عدا ذلك فباطل ، وتعد - لحدود الله عز وجل .

                                                                                                                                                                                          وقد ذكرنا قول عطاء فيمن حلف بطلاق امرأته ثلاثا إن لم يضرب زيدا فمات زيد أو مات هو : أنه لا طلاق عليه أصلا ، وأنه يرث امرأته إن ماتت ، وترثه إن مات - وهو قول أبي ثور .

                                                                                                                                                                                          وقال سفيان : الطلاق يقع بعد الموت - وهذا خطأ ظاهر .

                                                                                                                                                                                          وقال الشافعي : الطلاق يقع عليه والحنث في آخر أوقات الحياة - وهذه دعوى بلا برهان .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : يوقف عن امرأته ، وهو على حنث حتى يبر - وهذا كلام فاسد ، لأنه إن كان على حنث فهو حانث فيلزمه أن تطلق عليه امرأته ، أو أن تلزمه الكفارة باليمين بالله ، وإلا فليس حانثا ، وإذا لم يكن حانثا فهو على بر - لا بد من أحدهما - ولا سبيل إلى حال ثالثة للحالف أصلا . [ ص: 479 ] فصح أن قوله " هو على حنث " كلام لا يعقل - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          وليت شعري - لأي شيء يوقف عن امرأته ، ولا تخلو من أحد وجهين - : إما أن تكون حلالا فلا يحل توقفه عن الحلال .

                                                                                                                                                                                          أو تكون حراما فلا تحرم عليه إلا بالحنث فليطلقها عليه .

                                                                                                                                                                                          ثم نقول لهم : من أين أجزتم الطلاق بصفة ولم تجيزوا النكاح بصفة ؟ والرجعة بصفة ؟ كمن قال : إذا دخلت الدار فقد راجعت زوجتي المطلقة - أو قال : فقد تزوجتك ؟ وقالت هي مثل ذلك ، وقال الولي مثل ذلك - ولا سبيل إلى فرق - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية