الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الخامسة عشرة : قوله : { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي } وقد بينا سبب نزول هذه الآية في سورة القصص وغيرها : { أن امرأة جاءت إلى [ ص: 594 ] النبي صلى الله عليه وسلم فوقفت عليه ، وقالت : يا رسول الله ; إني وهبت لك نفسي . الحديث إلى آخره } .

                                                                                                                                                                                                              وورد في ذلك للمفسرين خمسة أقوال : الأول : نزلت في ميمونة بنت الحارث ، خطبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب ، فجعلت أمرها إلى العباس عمه .

                                                                                                                                                                                                              وقيل : وهبت نفسها له ; قاله الزهري ، وعكرمة ، ومحمد بن كعب ، وقتادة .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : أنها نزلت في أم شريك الأزدية ، وقيل العامرية ، واسمها غزية ; قاله علي بن الحسين ، وعروة ، والشعبي .

                                                                                                                                                                                                              الثالث : أنها زينب بنت خزيمة أم المساكين .

                                                                                                                                                                                                              الرابع : أنها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط .

                                                                                                                                                                                                              الخامس : أنها خولة بنت حكيم السلمية .

                                                                                                                                                                                                              قال القاضي ابن العربي : أما سبب نزول هذه الآية فلم يرد من طريق صحيح ، وإنما هذه الأقوال واردة بطرق من غير خطم ولا أزمة ، بيد أنه روي عن ابن عباس ومجاهد أنهما قالا : لم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة موهوبة .

                                                                                                                                                                                                              وقد بينا الحديث الصحيح في مجيء المرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووقوفها عليه ، وهبتها نفسها له من طريق سهل وغيره في الصحاح ، وهو القدر الذي ثبت سنده ، وصح نقله .

                                                                                                                                                                                                              والذي يتحقق أنها لما قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : وهبت نفسي لك ; فسكت عنها ، حتى قام رجل فقال : زوجنيها يا رسول الله إن لم تكن لك بها حاجة .

                                                                                                                                                                                                              ولو كانت هذه الهبة غير جائزة لما سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لأنه لا يقر على الباطل إذا سمعه ، حسبما قررناه في كتب الأصول .

                                                                                                                                                                                                              ويحتمل أن يكون سكوته ; لأن الآية قد كانت بالإحلال [ ص: 595 ] ويحتمل أن يكون سكت منتظرا بيانا ; فنزلت الآية بالتحليل والتخيير ; فاختار تركها وزوجها من غيره .

                                                                                                                                                                                                              ويحتمل أن يكون سكت ناظرا في ذلك حتى قام الرجل لها طالبا .

                                                                                                                                                                                                              وقد روى مسلم ، عن عائشة أنها قالت : كنت أغار من اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالت : أما تستحي امرأة أن تهب نفسها ، حتى أنزل الله : { ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء } فقلت : ما أرى ربك إلا يسارع في هواك .

                                                                                                                                                                                                              فاقتضى هذا اللفظ أن من وهبت نفسها للنبي عدة ، ولكنه لم يثبت عندنا أنه تزوج منهن واحدة أم لا .

                                                                                                                                                                                                              المسألة السادسة عشرة : قوله : { وامرأة } المعنى أحللنا لك امرأة تهب نفسها من غير صداق فإنه أحل له في الآية قبلها أزواجه اللاتي آتى أجورهن .

                                                                                                                                                                                                              وهذا معنى يشاركه فيه غيره ; فزاده فضلا على أمته أن أحل له الموهوبة ، ولا تحل لأحد غيره .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية