الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها .

وقعت جملة قالوا غير معطوفة لأنها جرت في المحاورة جوابا عن كلام موسى - عليه السلام - . وضمير ( قالوا ) عائد إلى ( القوم ) [ ص: 284 ] وإنما القائل بعضهم ، تصدوا مجيبين عن القوم كلهم وهم كبراء القوم وأهل الصلاح منهم . وقوله بملكنا قرأه نافع ، وعاصم ، وأبو جعفر بفتح الميم . وقرأه ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو عمرو ، ويعقوب بكسر الميم . وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف - بضم الميم - . وهي وجوه ثلاثة في هذه الكلمة ، ومعناها : بإرادتنا واختيارنا ، أي لإخلاف موعدك ، أي ما تجرأنا ولكن غرهم السامري وغلبهم دهماء القوم . وهذا إقرار من المجيبين بما فعله دهماؤهم .

والاستدراك راجع إلى ما أفاده نفي أن يكون إخلافهم العهد عن قصد للضلال . والجملة الواقعة بعده وقعت بإيجاز عن حصول المقصود من التنصل من تبعة نكث العهد . ومحل الاستدراك هو قوله ( فقالوا هذا إلهكم وإله موسى ) وما قبله تمهيد له ، فعطفت الجمل قبله بحرف الفاء واعتذروا بأنهم غلبوا على رأيهم بتضليل السامري . فأدمجت في هذا الاعتذار الإشارة إلى قضية صوغ العجل الذي عبدوه واغتروا بما موه لهم من أنه إلههم المنشود من كثرة ما سمعوا من رسولهم أن الله معهم أو أمامهم ، ومما جاش في خواطرهم من الطمع في رؤيته تعالى .

وقرأ نافع ، وابن كثير ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم ، ورويس عن يعقوب ( حملنا ) - بضم الحاء وتشديد الميم مكسورة - . أي حملنا من حملنا ، أو حملنا أنفسنا .

وقرأ أبو بكر عن عاصم ، وحمزة ، وأبو عمرو ، والكسائي ، وروح عن يعقوب - بفتح الحاء وفتح الميم مخففة - .

[ ص: 285 ] والأوزار : الأثقال . والزينة : الحلي والمصوغ . وقد كان بنو إسرائيل حين أزمعوا الخروج قد احتالوا على القبط فاستعار كل واحد من جاره القبطي حليا فضة وذهبا وأثاثا ، كما في الإصحاح 12 من سفر الخروج . والمعنى : أنهم خشوا تلاشي تلك الزينة فارتأوا أن يصوغوها قطعة واحدة أو قطعتين ليتأتى لهم حفظها في موضع مأمون .

والقذف : الإلقاء . وأريد به هنا الإلقاء في نار السامري للصوغ ، كما يومئ إليه الإصحاح 32 من سفر الخروج . فهذا حكاية جوابهم لموسى - عليه السلام - مجملا مختصرا شأن المعتذر بعذر واه أن يكون خجلان من عذره فيختصر الكلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية