الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1969 - مسألة : ومن قال : أنت طالق إن شاء الله ، أو قال : إلا أن يشاء الله ، أو قال : إلا أن لا يشاء الله - : فكل ذلك سواء ، ولا يقع بشيء من ذلك طلاق .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك : قول الله عز وجل : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } .

                                                                                                                                                                                          وقال تعالى : { وما تشاءون إلا أن يشاء الله }

                                                                                                                                                                                          ونحن نعلم أن الله تعالى لو أراد إمضاء هذا الطلاق ليسره لإخراجه بغير استثناء .

                                                                                                                                                                                          فصح أنه تعالى لم يرد وقوعه إذ يسره لتعليقه بمشيئته - عز وجل .

                                                                                                                                                                                          وقد اختلف الناس في هذا - : فقالت طائفة كما قلنا - كما روينا من طريق أبي عبيد نا معاذ بن معاذ عن ورقاء بن عمر عن ابن طاوس عن أبيه فيمن قال لامرأته : أنت طالق إن شاء الله ؟ قال : له ثنياه [ ص: 485 ]

                                                                                                                                                                                          ومن طريق وكيع عن الأعمش عن إبراهيم النخعي فيمن قال لامرأته : أنت طالق إن شاء الله ؟ قال : لا يحنث .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق وكيع عن أبيه عن الليث قال : اجتمع عطاء ، ومجاهد وطاوس ، والزهري : على أن الاستثناء في كل شيء جائز .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق وكيع عن حكيم أبي داود عن الشعبي فيمن قال : أنت حر إن شاء الله تعالى ؟ قال : لا يحنث .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق الحكم بن عتيبة فيمن قال : أنت طالق إن شاء الله ؟ له ثنياه .

                                                                                                                                                                                          وعن أبي مجلز مثل ذلك - وهو قول عطاء ، وحماد بن أبي سليمان ، وسعيد بن المسيب .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن أبي حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم قال : إذا قال : إن لم أفعل كذا فامرأتي طالق - إن شاء الله - فحنث لم تطلق امرأته .

                                                                                                                                                                                          وبه - كان يأخذ أبو حنيفة ، وعبد الرزاق قال : والناس عليه .

                                                                                                                                                                                          وقال سفيان الثوري - من قال : امرأتي طالق إن كلمت فلانا شهرا إلا أن يبدو لي أنه إن وصل الكلام فله استثناؤه ، فإن قطعه وسكت ثم استثنى فلا استثناء له .

                                                                                                                                                                                          وقال الأوزاعي - في أحد قوليه - : إن قال : إن فعلت كذا فأنت طالق - إن شاء الله - فالاستثناء جائز ; ولا يقع الطلاق ، وكذلك العتاق .

                                                                                                                                                                                          وبه يقول الشافعي ; وأصحابه ، وأبو ثور ، وعثمان البتي ، وإسحاق ، وأبو سليمان وأصحابنا .

                                                                                                                                                                                          وقال آخرون : لا يسقط الطلاق بالاستثناء - : كما روينا من طريق أبي عبيد نا سعيد بن عفير حدثني الفضل بن المختار عن أبي حمزة ` قال : سمعت ابن عباس يقول : إذا قال لامرأته : أنت طالق إن شاء الله ، فهي طالق .

                                                                                                                                                                                          وقد صح هذا عن سعيد بن المسيب ، والحسن ، والشعبي ، والزهري ، وقتادة ، ومكحول - وهو أحد قولي الأوزاعي ، ومالك ، والليث ، وأحد قولي ابن أبي ليلى . [ ص: 486 ]

                                                                                                                                                                                          وروي عن ابن أبي ليلى : إن طلق واستثنى فالطلاق واقع ، وإن أخرجه مخرج اليمين فله استثناؤه .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : فإن قال : أنت طالق إن شاء زيد - أو قال : إلا أن لا يشاء زيد - أو إلا أن يشاء زيد : فإنها لا تطلق إلا أن يشاء زيد - واحتجوا في ذلك بأن مشيئة زيد تعرف ، ومشيئة الله تعالى لا تعرف .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهذا باطل ، بل مشيئة زيد لا يعرفها أبدا أحد غيره ، وغير الله تعالى ، لأنه قد يكذب ، وأما مشيئة الله تعالى فمعروفة بلا شك ، لأن كل ما نفذ فقد شاء الله تعالى كونه ، وما لم ينفذ فلا نشك أن الله تعالى لم يشأ كونه - وهذا مما خالف فيه الحنفيون تشنيعهم بمخالفة صاحب لا يعرف له من الصحابة مخالف .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية