الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 362 ] أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون . وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون . وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين . قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون . ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون . وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون . هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون . فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين . وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه قد شرحناه في [الفرقان: 43] . وقال مقاتل: نزلت هذه الآية في الحارث بن قيس السهمي .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وأضله الله على علم أي: على علمه السابق فيه أنه [ ص: 363 ] لا يهتدي وختم على سمعه أي: طبع عليه فلم يسمع الهدى "و" على " قلبه " فلم يعقل الهدى . وقد ذكرنا الغشاوة والختم في [البقرة: 7] .

                                                                                                                                                                                                                                      فمن يهديه من بعد الله؟! أي: من بعد إضلاله إياه أفلا تذكرون فتعرفوا قدرته على ما يشاء؟! . وما بعد [هذا] مفسر في سورة [المؤمنون: 37] إلى قوله: وما يهلكنا إلا الدهر أي: اختلاف الليل والنهار وما لهم بذلك من علم أي: ما قالوه عن علم، إنما قالوه شاكين فيه . ومن أجل هذا قال نبينا عليه الصلاة والسلام: "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر"، أي: هو الذي يهلككم، لا ما تتوهمونه من مرور الزمان . وما بعد هذا ظاهر، وقد تقدم بيانه [البقرة: 28، الشورى: 7] إلى قوله: يخسر المبطلون يعني المكذبين الكافرين أصحاب الأباطيل; [ ص: 364 ] والمعنى: يظهر خسرانهم يومئذ . وترى كل أمة قال الفراء: ترى أهل كل دين جاثية قال الزجاج : أي: جالسة على الركب، يقال: قد جثا فلان جثوا: إذا جلس على ركبتيه، ومثله: جذا يجذو . والجذو أشد استيفازا من الجثو، لأن الجذو: أن يجلس صاحبه على أطراف أصابعه . قال ابن قتيبة : والمعنى أنها غير مطمئنة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: كل أمة تدعى إلى كتابها فيه ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنه كتابها الذي فيه حسناتها وسيئاتها، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه حسابها، قاله الشعبي، والفراء، وابن قتيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: كتابها الذي أنزل على رسوله، حكاه الماوردي .

                                                                                                                                                                                                                                      ويقال لهم: اليوم تجزون ما كنتم تعملون .

                                                                                                                                                                                                                                      هذا كتابنا وفيه ثلاثة أقوال . أحدها: أنه كتاب الأعمال الذي تكتبه الحفظة، قاله ابن السائب . والثاني: اللوح المحفوظ، قاله مقاتل . والثالث: القرآن، والمعنى أنهم يقرؤونه فيدلهم ويذكرهم، فكأنه ينطق عليهم، قاله ابن قتيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 365 ] قوله تعالى: إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون أي: نأمر الملائكة بنسخ أعمالكم، أي: بكتبها وإثباتها . وأكثر المفسرين على أن هذا الاستنساخ، من اللوح المحفوظ، تستنسخ الملائكة كل عام ما يكون من أعمال بني آدم، فيجدون ذلك موافقا ما يعملونه . قالوا: والاستنساخ لا يكون إلا من أصل . قال الفراء: يرفع الملكان العمل كله، فيثبت الله منه ما فيه ثواب أو عقاب، ويطرح منه اللغو . وقال الزجاج : نستنسخ ما تكتبه الحفظة، ويثبت عند الله عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: في رحمته قال مقاتل: في جنته .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: أفلم تكن آياتي فيه إضمار، تقديره: فيقال لهم ألم تكن آياتي، يعني آيات القرآن تتلى عليكم فاستكبرتم عن الإيمان بها وكنتم قوما مجرمين ؟! قال ابن عباس: كافرين .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية