الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الثامنة : كما أن الأعيان أجناس مختلفة الأسماء والصفات ، كذلك الأفعال أجناس مختلفة ، ولا يتناول بعضها بعضا ، فالشرب ليس بأكل ، وكذا العكس ، فإذا حلف : لا يأكل ، فشرب ماء أو غيره ، أو حلف : لا يشرب ، فأكل طعاما ، لا يحنث . واللبن والخل وباقي المائعات إذا حلف لا يأكلها ، فأكلها بخبز ، حنث ، أو شربها لم يحنث . وإن حلف : [ ص: 42 ] لا يشربها ، فالحكم بالعكس . ولو حلف : لا يأكل سويقا ، فاستفه ، أو تناوله بملعقة أو بإصبع مبلولة ، حنث . ولو ماثه في الماء وشربه ، لم يحنث . ولو حلف : لا يشرب السويق ، فالحكم بالعكس . ولو كان السويق خاثرا ، بحيث يؤخذ بالملاعق ، فتحساه ، ففيه خلاف ، والأصح أنه ليس بشرب . ولو قال : لا أطعم أو لا أتناول ، دخل في اليمين الأكل والشرب جميعا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        حلف : لا يأكل السكر ، حنث بنفس السكر ، دون ما يتخذ منه ، إلا إذا نوى . وكذا الحكم في التمر والعسل . ثم إن ابتلع السكر بلا مضغ ، فقد أكله ، كما لو أكل الخبز على هيئته ، وإن مضغه وازدرده ممضوغا ، حنث أيضا ، وإن وضعه في فمه فذاب ونزل ، لم يحنث على الأصح ، وبه قطع المتولي والبغوي ، كما أنه لا يسمى أكلا للسكر .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        حلف : لا يأكل العنب والرمان ، لم يحنث بأكل عصيرهما وشربه . ولو امتصهما ، ورمى الثفل ، لم يحنث أيضا ، لأنه ليس آكلا .

                                                                                                                                                                        حلف : لا يأكل السمن ، فأكله وهو جامد وحده ، حنث ، وإن شربه ذائبا ، لم يحنث على الصحيح ، وإن أكله بخبز وهو جامد أو ذائب ، حنث على الصحيح ، وخالف فيه الاصطخري . وإن جعله في عصيدة أو سويق ، فالنص أنه يحنث ونص أنه لو حلف : لا يأكل خلا ، فأكله سكباجا ، لا يحنث ، فقال الجمهور : ليس ذلك باختلاف ، [ ص: 43 ] بل إن كان السمن ظاهرا في العصيدة والسويق يرى جرمه ، حنث وهذا مراده بنص السمن ، وكذا حكم الخل إذا كان ظاهرا بلونه ، وطعمه ، بأن أكل مرقة وهي حامضة وإن كان السمن أو الخل مستهلكا ، لم يحنث . وهذا مراده بنص الخل . وصوروا ذلك فيما إذا أكل لحم السكباج أو ما فيه من سلق وغيره ، ومنهم من أطلق وجهين أو قولين فيهما .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        حلف : لا يأكل أو لا يشرب ، لا يحنث بمجرد الذوق ، ولو حلف : لا يذوق ، فأكل أو شرب ، حنث على الصحيح ، لتضمنهما الذوق . وإن أدرك طعم الشيء بالمضغ والإمساك في الفم ، ثم مجه ولم ينزل إلى حلقه ، فوجهان . أحدهما : لا يحنث ، كما لا يفطر . وأصحهما : يحنث ، لأن الذوق إدراك الطعم . ولو حلف : لا يأكل ولا يشرب ولا يذوق ، فأوجر في حلقه حتى صار في جوفه ، لم يحنث . ولو قال : لا أطعم كذا فأوجره ، حنث ، لأن معناه : لا جعلته لي طعاما .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية