الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
ثم إن الناظم رحمه الله تعالى حث على عموم تحسين الأخلاق ، وخص الوالدين بالمزية التي وقع عليها الاتفاق ، فقال :

مطلب : في بيان حسن الخلق : ويحسن تحسين لخلق وصحبة ولا سيما للولد المتأكد

( ويحسن ) أي يجمل ويلائم ، والمراد به هنا يشرع لأنه تارة يكون واجبا وأخرى مندوبا . وأصل الحسن بضم الحاء المهملة الجمال وضده القبح وهما للشيء بمعنى ملاءمة الطبع ومنافرته كحسن الحلو وقبح المر ، فالحسن صفة الكمال والقبح صفة النقص ، كحسن العلم وقبح الجهل وذلك عقلي .

وأما ترتب المدح والذم عاجلا والثواب والعقاب آجلا كحسن الطاعة وقبح المعصية فشرعي فلا يحكم به إلا الشرع المبعوث به الرسل عليهم الصلاة والسلام ( تحسين لخلق ) حسن الخلق هو القيام بحقوق المسلمين . والخلق صورة الإنسان الباطنة . قال في القاموس : الخلق بالضم وبضمتين السجية والطبع والمروءة والدين ، ومثله في المطالع . وقال الجوهري : الخلق والخلق السجية ، وفلان يتخلق بغير خلقه أي يتكلف . قال الشاعر :

    يا أيها المتحلي غير شيمته
إن التخلق يأتي دونه الخلق

وفي النهاية : الخلق بضم اللام وسكونها الدين والطبع والسجية ، وحقيقته أنه صورة الإنسان الباطنة وهي نفسه ، وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخلق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها ، ولها أوصاف حسنة وقبيحة .

والثواب والعقاب يتعلقان بأوصاف الصورة الباطنة أكثر ما يتعلقان بأوصاف الصورة الظاهرة ، ولذا تكررت الأحاديث في مدح حسن الخلق وذم سوئه .

[ ص: 361 ] و ) يحسن تحسين ( لصحبة ) من يصحبه من المسلمين ، فإن ذلك ركن من أركان الدين . فإن معنى الدين سفر إلى الله سبحانه وتعالى . ومن أركان السفر حسن الصحبة في منازل السفر مع المسافرين . والخلق كلهم مسافرون يسير بهم العمر سير السفينة براكبها في البحر . وأقل درجات حسن الصحبة كف الأذى عنهم ، وهذا واجب .

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم { المؤمن من أمنه الناس ، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجر من هجر السوء والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة عبد لا يأمن جاره بوائقه } . رواه الإمام أحمد وأبو يعلى والبزار وإسناد الإمام أحمد جيد . وفوق ذلك أن ينفعهم ويحسن إليهم . وأعلى من ذلك أن يحتمل الأذى منهم ، ويحسن مع ذلك إليهم ، وهذه درجة الصديقين .

ومن كلام الحكماء : من أحسن إلى من أساء إليه فقد أخلص لله شكرا ، ومن أساء إلى من أحسن إليه فقد استبدل نعمة الله كفرا . وقد سئل سيدنا الإمام أحمد عن حسن الخلق فقال أن لا تغضب ولا تحقد . وعنه أنه قال : حسن الخلق أن تحتمل ما يكون من الناس . وقال الحسن : حسن الخلق الكرم والبذلة والاحتمال . وعن الشعبي : البذلة والعطية والبشر الحسن . وكان الشعبي كذلك . وعن ابن المبارك : بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى .

وسئل سلام بن مطيع عن حسن الخلق فأنشد قول الشاعر :

تراه إذا ما جئته متهللا     كأنك تعطيه الذي أنت سائله
فلو لم يكن في كفه غير روحه     لجاد بها فليتق الله سائله
هو البحر من أي النواحي أتيته     فلجته المعروف والبحر ساحله



التالي السابق


الخدمات العلمية