nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=95nindex.php?page=treesubj&link=28991قال فما خطبك يا سامري nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=96قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي
التفت
موسى بتوجيه الخطاب إلى
السامري الذي كان سببا في إضلال القوم ، فالجملة ناشئة عن قول القوم :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=87فكذلك ألقى السامري nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=88فأخرج لهم عجلا إلخ ، فهي ابتداء خطاب . ولعل
موسى لم يغلظ له القول كما أغلظ
لهارون ؛ لأنه كان جاهلا بالدين ، فلم يكن في ضلاله عجب . ولعل هذا يؤيد ما قيل : إن
السامري لم يكن من
بني إسرائيل ، ولكنه كان من القبط أو من كرمان ، فاندس في
بني إسرائيل . ولما
nindex.php?page=treesubj&link=31913كان موسى مبعوثا لبني إسرائيل خاصة ولفرعون وملئه ؛ لأجل إطلاق
بني إسرائيل ، كان اتباع غير الإسرائيليين لشريعة
موسى أمرا غير واجب على غير الإسرائيليين ولكنه مرغب فيه ؛ لما فيه من الاهتداء ، فلذلك لم يعنفه
موسى ؛ لأن الأجدر بالتعنيف هم القوم الذين عاهدوا الله على الشريعة .
ومعنى " ما خطبك " : ما طلبك ، أي ماذا تخطب ، أي تطلب ، فهو مصدر . قال
ابن عطية : وهي كلمة أكثر ما تستعمل في المكاره ؛
[ ص: 295 ] لأن الخطب هو الشأن المكروه . كقوله تعالى : فما خطبكم أيها المرسلون ، فالمعنى : ما هي مصيبتك التي أصبت بها القوم ، وما غرضك مما فعلت . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=96بصرت بما لم يبصروا به إلى قوله : " فنبذتها " إن حملت كلمات " بصرت بما لم يبصروا به " و " قبضت قبضة " ، و " أثر " ، و " نبذتها " على حقائق مدلولاتها كما ذهب إليه جمهور المفسرين - كان المعنى : أبصرت ما لم يبصروه ، أي نظرت ما لم ينظروه ، بناء على أن " بصرت " و " أبصرت " كلاهما من أفعال النظر بالعين ، إلا أن " بصر بالشيء " حقيقته صار بصيرا به أو بصيرا بسببه ، أي شديد الإبصار ، فهو أقوى من " أبصرت " ، لأنه صيغ من فعل بضم العين الذي تشتق منه الصفات المشبهة الدالة على كون الوصف سجية ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=11فبصرت به عن جنب في سورة القصص .
ولما كان المعنى هنا جليا عن أمر مرئي تعين حمل اللفظ على المجاز باستعارة " بصر " الدال على قوة الإبصار إلى معنى العلم القوي بعلاقة الإطلاق عن التقييد ، كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=22فبصرك اليوم حديد ، وكما سميت المعرفة الراسخة بصيرة في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108أدعو إلى الله على بصيرة .
وحكي في لسان العرب عن
اللحياني : إنه لبصير بالأشياء ، أي عالم بها ، وبصرت بالشيء : علمته . وجعل منه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=96بصرت بما لم يبصروا به ، وكذلك فسرها
الأخفش في نقل لسان العرب ، وأثبته
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج . فالمعنى : علمت ما لم يعلموه وفطنت لما لم يفطنوا له ، كما جعله في " الكشاف " أول وجهين في معنى الآية . ولذلك طريقتان : إما جعل " بصرت " مجازا ، وإما جعله حقيقة .
وقرأ الجمهور " يبصروا " بتحتية على أنه رافع لضمير الغائب . وقرأه
حمزة ، nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ، وخلف بفوقية على أنه خطاب
لموسى ومن معه .
والقبضة - بفتح القاف - : الواحدة من القبض ، وهو غلق الراحة على شيء ، فالقبضة مصدر بمعنى المفعول . وضد القبض : البسط .
[ ص: 296 ] والنبذ : إلقاء ما في اليد .
والأثر ، حقيقته : ما يتركه الماشي من صورة قدمه في الرمل أو التراب . وتقدم آنفا عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=84قال هم أولاء على أثري . وعلى حمل الكلمات على حقائقها يتعين صرف الرسول عن المعنى المشهور . فيتعين حمله على
جبريل فإنه رسول من الله إلى الأنبياء . فقال جمهور المفسرين : المراد بالرسول
جبريل . ورووا قصة ، قالوا : إن
السامري فتنه الله ، فأراه الله
جبريل راكبا فرسا فوطئ حافر الفرس مكانا فإذا هو مخضر بالنبات ، فعلم
السامري أن أثر
جبريل إذا ألقي في جماد صار حيا ، فأخذ قبضة من ذلك التراب وصنع عجلا ، وألقى بقبضة عليه فصار جسدا ، أي حيا ، له خوار كخوار العجل . فعبر عن ذلك الإلقاء بالنبذ . وهذا الذي ذكروه لا يوجد في كتب الإسرائيليين ، ولا ورد به أثر من السنة ، وإنما هي أقوال لبعض السلف ، ولعلها تسربت للناس من روايات القصاصين . فإذا صرفت هذه الكلمات الست إلى معان مجازية كان " بصرت " بمعنى علمت واهتديت ، أي اهتديت إلى علم ما لم يعلموه ، وهو علم صناعة التماثيل والصور الذي به صنع العجل ، وعلم الحيل الذي أوجد به خوار العجل . وكانت القبضة بمعنى النصيب القليل ، وكان الأثر بمعنى التعليم ، أي الشريعة ، وكان " نبذت " بمعنى أهملت ونقضت ، أي كنت ذا معرفة إجمالية من هدي الشريعة فانخلعت عنها بالكفر . وبذلك يصح أن يحمل لفظ الرسول على المعنى الشائع المتعارف ، وهو من أوحي إليه بشرع من الله وأمر بتبليغه . وكان المعنى : إني بعملي العجل للعبادة نقضت اتباع شريعة
موسى ، والمعنى : أنه اعترف أمام
موسى بصنعه العجل واعترف بأنه جهل فضل ، واعتذر بأن ذلك سولته له نفسه .
[ ص: 297 ] وعلى هذا المعنى فسر
أبو مسلم الأصفهاني ، ورجحه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري بتقديمه في الذكر على تفسير الجمهور ، واختاره
الفخر .
والتسويل : تزيين ما ليس بزين .
والتشبيه في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=96وكذلك سولت لي نفسي تشبيه الشيء بنفسه ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وكذلك جعلناكم أمة وسطا ، أي كذلك التسويل سولت لي نفسي ، أي تسويلا لا يقبل التعريف بأكثر من ذلك .
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=95nindex.php?page=treesubj&link=28991قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيٌّ nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=96قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي
الْتَفَتَ
مُوسَى بِتَوْجِيهِ الْخِطَابِ إِلَى
السَّامِرِيِّ الَّذِي كَانَ سَبَبًا فِي إِضْلَالِ الْقَوْمِ ، فَالْجُمْلَةُ نَاشِئَةٌ عَنْ قَوْلِ الْقَوْمِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=87فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=88فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا إِلَخْ ، فَهِيَ ابْتِدَاءُ خِطَابٍ . وَلَعَلَّ
مُوسَى لَمْ يُغْلِظْ لَهُ الْقَوْلَ كَمَا أَغْلَظَ
لِهَارُونَ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ جَاهِلًا بِالدِّينِ ، فَلَمْ يَكُنْ فِي ضَلَالِهِ عَجَبٌ . وَلَعَلَّ هَذَا يُؤَيِّدُ مَا قِيلَ : إِنَّ
السَّامِرِيَّ لَمْ يَكُنْ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مِنَ الْقِبْطِ أَوْ مِنْ كِرْمَانَ ، فَانْدَسَّ فِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ . وَلَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=31913كَانَ مُوسَى مَبْعُوثًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ خَاصَّةً وَلِفِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ؛ لِأَجْلِ إِطْلَاقِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، كَانَ اتِّبَاعُ غَيْرِ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ لِشَرِيعَةِ
مُوسَى أَمْرًا غَيْرَ وَاجِبٍ عَلَى غَيْرِ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ وَلَكِنَّهُ مُرَغَّبٌ فِيهِ ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الِاهْتِدَاءِ ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُعَنِّفْهُ
مُوسَى ؛ لِأَنَّ الْأَجْدَرَ بِالتَّعْنِيفِ هُمُ الْقَوْمُ الَّذِينَ عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَى الشَّرِيعَةِ .
وَمَعْنَى " مَا خَطْبُكَ " : مَا طَلَبُكَ ، أَيْ مَاذَا تَخْطُبُ ، أَيْ تَطْلُبُ ، فَهُوَ مَصْدَرٌ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَهِيَ كَلِمَةٌ أَكْثَرُ مَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَكَارِهِ ؛
[ ص: 295 ] لِأَنَّ الْخَطْبَ هُوَ الشَّأْنُ الْمَكْرُوهُ . كَقَوْلِهِ تَعَالَى : فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ ، فَالْمَعْنَى : مَا هِيَ مُصِيبَتُكَ الَّتِي أَصَبْتَ بِهَا الْقَوْمَ ، وَمَا غَرَضُكَ مِمَّا فَعَلْتَ . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=96بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ إِلَى قَوْلِهِ : " فَنَبَذْتُهَا " إِنْ حُمِلَتْ كَلِمَاتُ " بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ " وَ " قَبَضْتُ قَبْضَةً " ، وَ " أَثَرِ " ، وَ " نَبَذْتُهَا " عَلَى حَقَائِقِ مَدْلُولَاتِهَا كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ - كَانَ الْمَعْنَى : أَبْصَرْتُ مَا لَمْ يُبْصِرُوهُ ، أَيْ نَظَرْتُ مَا لَمْ يَنْظُرُوهُ ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ " بَصُرْتُ " وَ " أَبْصَرْتُ " كِلَاهُمَا مِنْ أَفْعَالِ النَّظَرِ بِالْعَيْنِ ، إِلَّا أَنَّ " بَصُرَ بِالشَّيْءِ " حَقِيقَتُهُ صَارَ بَصِيرًا بِهِ أَوْ بَصِيرًا بِسَبَبِهِ ، أَيْ شَدِيدَ الْإِبْصَارِ ، فَهُوَ أَقْوَى مِنْ " أَبْصَرْتُ " ، لِأَنَّهُ صِيغَ مِنْ فِعْلٍ بِضَمِّ الْعَيْنِ الَّذِي تُشْتَقُّ مِنْهُ الصِّفَاتُ الْمُشَبَّهَةُ الدَّالَّةُ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ سَجِيَّةً ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=11فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ .
وَلَمَّا كَانَ الْمَعْنَى هُنَا جَلِيًّا عَنْ أَمْرٍ مَرْئِيٍّ تَعَيَّنَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى الْمَجَازِ بِاسْتِعَارَةِ " بَصُرَ " الدَّالِّ عَلَى قُوَّةِ الْإِبْصَارِ إِلَى مَعْنَى الْعِلْمِ الْقَوِيِّ بِعَلَاقَةِ الْإِطْلَاقِ عَنِ التَّقْيِيدِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=22فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ، وَكَمَا سُمِّيَتِ الْمَعْرِفَةُ الرَّاسِخَةُ بَصِيرَةً فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ .
وَحُكِيَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ عَنِ
اللِّحْيَانِيِّ : إِنَّهُ لَبَصِيرٌ بِالْأَشْيَاءِ ، أَيْ عَالِمٌ بِهَا ، وَبَصُرْتُ بِالشَّيْءِ : عَلِمْتُهُ . وَجُعِلَ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=96بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ ، وَكَذَلِكَ فَسَّرَهَا
الْأَخْفَشُ فِي نَقْلِ لِسَانِ الْعَرَبِ ، وَأَثْبَتَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ . فَالْمَعْنَى : عَلِمْتُ مَا لَمْ يَعْلَمُوهُ وَفَطِنْتُ لِمَا لَمْ يَفْطِنُوا لَهُ ، كَمَا جَعَلَهُ فِي " الْكَشَّافِ " أَوَّلَ وَجْهَيْنِ فِي مَعْنَى الْآيَةِ . وَلِذَلِكَ طَرِيقَتَانِ : إِمَّا جَعْلُ " بَصُرْتُ " مَجَازًا ، وَإِمَّا جَعْلُهُ حَقِيقَةً .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ " يَبْصُرُوا " بِتَحْتِيَّةٍ عَلَى أَنَّهُ رَافِعٌ لِضَمِيرِ الْغَائِبِ . وَقَرَأَهُ
حَمْزَةُ ، nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ، وَخَلَفٌ بِفَوْقِيَّةٍ عَلَى أَنَّهُ خِطَابٌ
لِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ .
وَالْقَبْضَةُ - بِفَتْحِ الْقَافِ - : الْوَاحِدَةُ مِنَ الْقَبْضِ ، وَهُوَ غَلْقُ الرَّاحَةِ عَلَى شَيْءٍ ، فَالْقَبْضَةُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ . وَضِدُّ الْقَبْضِ : الْبَسْطُ .
[ ص: 296 ] وَالنَّبْذُ : إِلْقَاءُ مَا فِي الْيَدِ .
وَالْأَثَرُ ، حَقِيقَتُهُ : مَا يَتْرُكُهُ الْمَاشِي مِنْ صُورَةِ قَدَمِهِ فِي الرَّمْلِ أَوِ التُّرَابِ . وَتَقَدَّمَ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=84قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي . وَعَلَى حَمْلِ الْكَلِمَاتِ عَلَى حَقَائِقِهَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُ الرَّسُولِ عَنِ الْمَعْنَى الْمَشْهُورِ . فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى
جِبْرِيلَ فَإِنَّهُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ . فَقَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ : الْمُرَادُ بِالرَّسُولِ
جِبْرِيلُ . وَرَوَوْا قِصَّةٌ ، قَالُوا : إِنَّ
السَّامِرِيَّ فَتَنَهُ اللَّهُ ، فَأَرَاهُ اللَّهُ
جِبْرِيلَ رَاكِبًا فَرَسًا فَوَطِئَ حَافِرُ الْفَرَسِ مَكَانًا فَإِذَا هُوَ مُخْضَرٌّ بِالنَّبَاتِ ، فَعَلِمَ
السَّامِرِيُّ أَنَّ أَثَرَ
جِبْرِيلَ إِذَا أُلْقِيَ فِي جَمَادٍ صَارَ حَيًّا ، فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنْ ذَلِكَ التُّرَابِ وَصَنَعَ عِجْلًا ، وَأَلْقَى بِقَبْضَةٍ عَلَيْهِ فَصَارَ جَسَدًا ، أَيْ حَيًّا ، لَهُ خُوَارٌ كَخُوَارِ الْعِجْلِ . فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ الْإِلْقَاءِ بِالنَّبْذِ . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ لَا يُوجَدُ فِي كُتُبِ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ ، وَلَا وَرَدَ بِهِ أَثَرٌ مِنَ السُّنَّةِ ، وَإِنَّمَا هِيَ أَقْوَالٌ لِبَعْضِ السَّلَفِ ، وَلَعَلَّهَا تَسَرَّبَتْ لِلنَّاسِ مِنْ رِوَايَاتِ الْقَصَّاصِينَ . فَإِذَا صُرِفَتْ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ السِّتُّ إِلَى مَعَانٍ مَجَازِيَّةٍ كَانَ " بَصُرْتُ " بِمَعْنَى عَلِمْتُ وَاهْتَدَيْتُ ، أَيِ اهْتَدَيْتُ إِلَى عِلْمِ مَا لَمْ يَعْلَمُوهُ ، وَهُوَ عِلْمُ صِنَاعَةِ التَّمَاثِيلِ وَالصُّوَرِ الَّذِي بِهِ صُنِعَ الْعِجْلُ ، وَعِلْمُ الْحِيَلِ الَّذِي أَوْجَدَ بِهِ خُوَارَ الْعِجْلِ . وَكَانَتِ الْقَبْضَةُ بِمَعْنَى النَّصِيبِ الْقَلِيلِ ، وَكَانَ الْأَثَرُ بِمَعْنَى التَّعْلِيمِ ، أَيِ الشَّرِيعَةِ ، وَكَانَ " نَبَذْتُ " بِمَعْنَى أَهْمَلْتُ وَنَقَضْتُ ، أَيْ كُنْتُ ذَا مَعْرِفَةٍ إِجْمَالِيَّةٍ مِنْ هَدْيِ الشَّرِيعَةِ فَانْخَلَعْتُ عَنْهَا بِالْكُفْرُ . وَبِذَلِكَ يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ لَفْظُ الرَّسُولِ عَلَى الْمَعْنَى الشَّائِعِ الْمُتَعَارَفِ ، وَهُوَ مَنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِشَرْعٍ مِنَ اللَّهِ وُأُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ . وَكَانَ الْمَعْنَى : إِنِّي بِعَمَلِيَ الْعِجْلَ لِلْعِبَادَةِ نَقَضْتُ اتِّبَاعَ شَرِيعَةِ
مُوسَى ، وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ اعْتَرَفَ أَمَامَ
مُوسَى بِصُنْعِهِ الْعِجْلَ وَاعْتَرَفَ بِأَنَّهُ جَهِلَ فَضَلَّ ، وَاعْتَذَرَ بِأَنَّ ذَلِكَ سَوَّلَتْهُ لَهُ نَفْسُهُ .
[ ص: 297 ] وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَسَّرَ
أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ ، وَرَجَّحَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ بِتَقْدِيمِهِ فِي الذِّكْرِ عَلَى تَفْسِيرِ الْجُمْهُورِ ، وَاخْتَارَهُ
الْفَخْرُ .
وَالتَّسْوِيلُ : تَزْيِينُ مَا لَيْسَ بِزَيْنٍ .
وَالتَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=96وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي تَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ، أَيْ كَذَلِكَ التَّسْوِيلُ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ، أَيْ تَسْوِيلًا لَا يَقْبَلُ التَّعْرِيفَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ .