الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2495 ) مسألة ; قال : ( ومن طاف وسعى محمولا لعلة ، أجزأه ) لا نعلم بين أهل العلم خلافا في صحة طواف الراكب إذا كان له عذر ، فإن ابن عباس روى ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير ، يستلم الركن بمحجن } . وعن أم سلمة ، قالت : { شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي ، فقال : طوفي من وراء الناس ، وأنت راكبة } . متفق عليهما . وقال جابر : { طاف النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته ، بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، ليراه الناس ، وليشرف عليهم ، ليسألوه ، فإن الناس غشوه } . والمحمول كالراكب فيما ذكرناه .

                                                                                                                                            ( 2496 ) فصل : فأما الطواف راكبا أو محمولا لغير عذر ، فمفهوم كلام الخرقي أنه لا يجزئ . وهو إحدى الروايات عن أحمد ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم { قال : الطواف بالبيت صلاة } . ولأنها عبادة تتعلق بالبيت ، فلم يجز فعلها راكبا لغير عذر ، كالصلاة . والثانية ، يجزئه ، ويجبره بدم . وهو قول مالك . وبه قال أبو حنيفة ، إلا أنه قال : يعيد ما كان بمكة ، فإن رجع جبره بدم ; لأنه ترك صفة واجبة في ركن الحج ، فأشبه ما لو وقف بعرفة نهارا ، ودفع قبل غروب الشمس . والثالثة ، يجزئه ، ولا شيء عليه . اختارها أبو بكر . وهي مذهب الشافعي ، وابن المنذر ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا . قال ابن المنذر : لا قول لأحد مع فعل النبي صلى الله عليه وسلم . ولأن الله تعالى أمر بالطواف مطلقا ، فكيفما أتى به أجزأه ، ولا يجوز تقييد المطلق بغير دليل .

                                                                                                                                            ولا خلاف في أن الطواف راجلا أفضل ; لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم طافوا مشيا ، والنبي صلى الله عليه وسلم في غير حجة الوداع طاف مشيا ، وفي قول أم سلمة : { شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أني أشتكي ، فقال : طوفي من وراء الناس ، وأنت راكبة } . دليل على أن الطواف إنما يكون مشيا ، وإنما طاف النبي صلى الله عليه وسلم راكبا لعذر ، فإن ابن عباس روى { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر عليه الناس يقولون : هذا محمد هذا محمد . حتى خرج العواتق من البيوت ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرب الناس بين يديه ، فلما كثروا عليه ركب } . رواه مسلم . وكذلك في حديث جابر ، فإن الناس غشوه . وروي عن ابن عباس ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف راكبا ; لشكاة به } . وبهذا يعتذر من منع الطواف راكبا عن طواف النبي صلى الله عليه وسلم والحديث الأول أثبت . فعلى هذا يكون كثرة الناس ، وشدة الزحام عذرا . ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قصد تعليم الناس مناسكهم ، فلم يتمكن منه إلا بالركوب ، والله أعلم .

                                                                                                                                            ( 2497 ) فصل : إذا طاف راكبا ، أو محمولا ، فلا رمل عليه . وقال القاضي : يخب به بعيره . والأول أصح ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله ، ولا أمر به ، ولأن معنى الرمل لا يتحقق فيه . ( 2498 ) فصل : فأما السعي راكبا ، فيجزئه لعذر ولغير عذر ; لأن المعنى الذي منع الطواف راكبا غير [ ص: 200 ] موجود فيه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية