هذا ومن باب الإشارة في الآيات:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أتى أمر الله وهو القيامة الكبرى التي يرتفع فيها حجب التعينات ويضمحل السوي، ولما كان صلى الله عليه وسلم مشاهدا لذلك في عين الجمع قال ( أتى) ولما كان ظهورها على التفصيل بحيث تظهر للكل لا يكون إلا بعد حين قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1فلا تستعجلوه لأن هذا ليس وقت ظهوره، ثم أكد شهوده لوجه الله تعالى وفناء الخلق في القيامة:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1سبحانه وتعالى عما يشركون بإثبات وجود الغير، ثم فصل ما شاهد في عين الجمع لكونه في مقام الفرق بعد الجمع لا يحتجب بالوحدة عن الكثرة ولا بالعكس فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2ينزل الملائكة بالروح وهو العلم الذي تحيا به القلوب
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2على من يشاء من عباده وهم المخلصون له
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون وقال بعضهم: أي خوفوا الخلق من الخواطر الرديئة الممزوجة بالنظر إلى غيري وخوفهم من عظيم جلالي، وهذا وحي تبليغ وهو مخصوص بالمرسلين عليهم السلام، وذكروا أن الوحي إذا لم يكن كذلك غير مخصوص بهم بل يكون للأولياء أيضا
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=30الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا [فصلت: 30] وقد روي عن بعض أئمة أهل البيت أن الملائكة تزاحمهم في مجالسهم، ثم إنه تعالى عدد الصفات وفصل النعم فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=3خلق السماوات والأرض بالحق إلخ، وفي قوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=7وتحمل أثقالكم إلخ إشارة كما نقل عن الجنيد قدس سره إلى أنه ينبغي لمن أراد البلوغ إلى مقصده أن يكون أول أمره وقصده الجهد والاجتهاد ليوصله بركة ذلك إلى مقصوده، وذكروا أن المحمولين من العباد إلى المقاصد أصناف وكذا المحمول عليه، فمحمول بنور الفعل، ومحمول بنور الصفة، ومحمول بنور الذات، فالمحمول بنور الفعل يكون بلده مقام الخوف والرجاء ومحلته صدق اليقين وداره مربع الشهود، والمحمول بنور الصفة يكون بلده مقام المعرفة ومحلته صفو الخلة وداره دار المودة، والمحمول بنور الذات يكون بلده التوحيد ومحلته الفناء وداره البقاء، وهذه الأصناف للسالك، وأما المجذوب فمحمول على مطية الفضل إلى بلد المشاهدة، وفي قوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=8ويخلق ما لا ( تعلمون ) تحيير للأفهام وتعجيز أي تعجيز عن أن تدرك الملك العلام وقال بعضهم: إن فيها تعليما للوقوف عند ما لا يدركه العقل من آثار الصنع وفنون العلم وعدم مقابلة ذلك بالإنكار حيث أخبر سبحانه أنه يخلق ما لا يعلم بمقتضى القوى البشرية المعتادة وإنما يعلم بقوة إلهية وعناية صمدية، ألا ترى الصوفية الذين ( من ) الله تعالى عليهم بما من كيف علموا عوالم عظيمة نسبة عالم الشهادة إليها كنسبة الذرة إلى الجبل العظيم، وممن زعم الانتظام في سلكهم كالكفشية الملقبين أنفسهم بالكشفية من ذكر من ذلك أشياء لا يشك العاقل في أنها لا أصل لها بل لو عرض كلامهم في ذلك على الأطفال أو المجانين لم يشكوا في أنه حديث خرافة صادر عن محض التخيل، وأنا أسأل الله تعالى أن لا يبتلي مسلما بمثل ما ابتلاهم، وقد عزمت حين رأيت بعض كتبهم التي ألفها بعض معاصرينا منهم مما اشتمل على ذلك على أن أصنع نحو ما صنعوا
[ ص: 160 ] مقابلة للباطل بمثله لكن منعني الحياء من الله والاشتغال بخدمة كلامه سبحانه والعلم بأن تلك الخرافات لا تروج إلا عند من سلب منه الإدراك والتحقق بالجمادات، وقال
الواسطي في الآية: المعنى يخلق فيكم من الأفعال ما لا تعلمون أنها لكم أم عليكم
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=9وعلى الله قصد السبيل أي السبيل القصد وهو التوحيد
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=9ومنها جائر
وهو ما عدا ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=9ولو شاء لهداكم أجمعين لكنه لم يشأ لعدم استعدادكم ولتظهر صفات جماله وجلاله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=15وألقى في الأرض رواسي وهم الأوتاد أرباب التمكين
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=15أن تميد بكم أي تضطرب، ومن الكلام المشهور على الألسنة لو خلت قلبت
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=15وأنهارا وهم العلماء الذين تحيا بفرات علومهم أشجار القلوب
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=15وسبلا وهم المرشدون الداعون إليه تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=16وعلامات وهي الآيات الآفاقية والأنفسية
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=16وبالنجم هم يهتدون وهي الأنوار التي تلوح للسالك من عالم الغيب.
وقال بعضهم: ألقى في أرض القلوب رواسي العلوم الغيبية والمعارف السرمدية وأجرى فيها أنهار أنوار المعرفة والمكاشفة والمحبة والشوق والعشق والحكمة والفطنة وأوضح سبلا للأرواح والعقول والأسرار، فسبيل الأرواح إلى أنوار الصفات، وسبيل العقول إلى أنوار الآيات، وسبيل الأسرار إلى أنوار الذات، والسبل في الحقيقة غير متناهية، ومن كلامهم الطرق إلى الله تعالى بعدد أنفاس الخلائق. والعلامات في الظاهر أنوار الأفعال للعموم، وأخص العلامات في العالم الأولياء، والنجوم أهل المعارف الذين يسبحون في أفلاك الديمومية بأرواحهم وقلوبهم وأسرارهم من اقتدى بهم يهتدي إلى مقصوده الأبدي، وفي الحديث: «
nindex.php?page=hadith&LINKID=1084أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ».
والمراد بهم خواصهم ليتأتى الخطاب، ويجوز أن يراد كلهم والخطاب لنا ولا مانع من ذلك على مشرب القوم
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=20والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=21أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون ما أعظمها آية في النهي على من يستغيث بغير الله تعالى من الجمادات والأموات ويطلب منه ما لا يستطيع جلبه لنفسه أو دفعه عنها.
وقال بعض أكابر السادة الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم: إن الاستغاثة بالأولياء محظورة إلا من عارف يميز بين الحدوث والقدم فيستغيث بالولي لا من حيث نفسه بل من حيث ظهور الحق فيه فإن ذلك غير محظور لأنه استغاثة بالحق حينئذ، وأنا أقول إذا كان الأمر كذلك فما الداعي للعدول عن الاستغاثة بالحق من أول الأمر؟ وأيضا إذا ساغت الاستغاثة بالولي من هذه الحيثية فلتسغ الصلاة والصوم وسائر أنواع العبادة له من تلك الحيثية أيضا، ولعل القائل بذلك قائل بهذا. بل قد رأيت لبعضهم ما يكون هذا القول بالنسبة إليه تسبيح ولا يكاد يجري قلمي أو يفتح فمي بذكره، فالطريق المأمون عند كل رشيد الاستغاثة والاستعانة على الله عز وجل فهو سبحانه الحي القادر العالم بمصالح عباده، فإياك والانتظام في سلك الذين يرجون النفع من غيره تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ذكروا أن السابقين الموحدين يتوفاهم الله تعالى بذاته، وأما الأبرار والسعداء فقسمان، فمن ترقى عن مقام النفس بالتجرد وصل إلى مقام القلب بالعلوم والفضائل يتوفاهم ملك الموت، ومن كان في مقام النفس من العباد والصلحاء والزهاد المتشرعين الذين لم يتجردوا عن علائق البدن بالتحلية والتخلية تتوفاهم ملائكة الرحمة، وأما الأشرار الأشقياء فتتوفاهم ملائكة الرحمة، وأما الأشرار الأشقياء فتتوفاهم الملائكة أيضا ولكن ملائكة العذاب ويتشكلون لهم على صورة أخلاقهم الذميمة كما يتشكل ملائكة الرحمة لمن تقدم على صورة أخلاقهم الحسنة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=32الذين تتوفاهم الملائكة طيبين طابت نفوسهم في خدمة مولاها وطابت قلوبهم في محبة
[ ص: 161 ] سيدها وطابت أرواحهم بطيب مشاهدة ربها وطابت أسرارهم بطيب الأنوار، وقيل: طيبة أبدانهم وأرواحهم بملازمة الخدمة وترك الشهوات.
وقيل: طيبة أرواحهم بالموت لكونه باب الوصال وسبب الحياة الأبدية
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=35وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء قالوه إلزاما بزعمهم للموحدين وما دروا أنه حجة عليهم لأنه تعالى لا يشاء إلا ما يعلم ولا يعلم إلا ما عليه الشيء في نفسه فلولا أنهم في نفس الأمر مشركون ما شاء الله تعالى ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=43فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون هم أهل القرآن المتخلقون بأخلاقه القائمون بأمره ونهيه الواقفون على ما أودع فيه من الأسرار والغيوب وقليل ما هم فالمراد بالذكر القرآن كما في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون .
وفيه إشارة إلى أن الله تعالى لم يظهر مكنونات أسرار كتابه إلا لنبيه صلى الله عليه وسلم فهو عليه الصلاة والسلام الأمين المؤتمن على الأسرار. وقد أشار سبحانه له عليه الصلاة والسلام بتبيين ذلك وقد فعل ولكن على حسب القابليات- لا تمنعوا الحكمة عن أهلها فتظلموهم ولا تمنحوها غير أهلها فتظلموها- ولا تودع الأسرار إلا عند الأحرار. وذلك لأنها أمانة وإذا أودعت عند غيرهم لم يؤمن عليها من الخيانة. وخيانتها إفشاؤها وإفشاؤها خطر عظيم. ولذا قيل:
من شاوروه فأبدى السر مشتهرا لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا وجانبوه فلم يسعد بقربهم
وأبدلوه مكان الأنس إيحاشا لا يصطفون مذيعا بعض سرهم
حاشا ودادهم من ذاكم حاشا
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=48أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء أي ذات وحقيقة مخلوقة أية ذات كانت
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=48يتفيأ ظلاله قيل: أي يتمثل صوره ومظاهره
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=48عن اليمين جهة الخير
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=48والشمائل جهات الشرور، ولما كانت جهة اليمين إشارة إلى جهة الخير الذي لا ينسب إلا إليه تعالى وحد اليمين ولما كانت جهة الشمال إشارة إلى جهة الشر الذي لا ينبغي أن ينسب إليه تعالى كما يرشد إليه قوله: والشر ليس إليك ولكن ينسب إلى غيره سبحانه وكان في الغير تعدد ظاهر جمع الشمال. وقيل في وجه الإفراد والجمع: إن جميع الموجودات تشترك في نوع من الخير لا تكاد تفيء عنه وهو العشق فقد برهن
ابن سينا على سريان قوة العشق في كل واحد من الهويات ولا تكاد تشترك في شر كذلك فما تفيء عنه من الشر لا يكون إلا متعددا فلذا جمع الشمال ولا كذلك ما تفيء عنه من الخير فلذا أفرد اليمين فليتأمل
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=49ولله يسجد ينقاد ما
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=49في السماوات وما في الأرض من دابة أي موجود يدب ويتحرك من العدم إلى الوجود
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=49والملائكة وهم لا يستكبرون لا يمتنعون عن الانقياد والتذلل لأمره
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=50يخافون ربهم من فوقهم لأنه القاهر المؤثر فيهم
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=50ويفعلون ما يؤمرون طوعا وانقيادا، والله تعالى الهادي سواء السبيل.
هَذَا وَمِنْ بَابِ الْإِشَارَةِ فِي الْآيَاتِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أَتَى أَمْرُ اللَّهِ وَهُوَ الْقِيَامَةُ الْكُبْرَى الَّتِي يَرْتَفِعُ فِيهَا حَجْبُ التَّعَيُّنَاتِ وَيَضْمَحِلُّ السَّوِيُّ، وَلَمَّا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشَاهِدًا لِذَلِكَ فِي عَيْنِ الْجَمْعِ قَالَ ( أَتَى) وَلَمَّا كَانَ ظُهُورُهَا عَلَى التَّفْصِيلِ بِحَيْثُ تَظْهَرُ لِلْكُلِّ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ حِينٍ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ وَقْتَ ظُهُورِهِ، ثُمَّ أَكَّدَ شُهُودَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَنَاءِ الْخَلْقِ فِي الْقِيَامَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ بِإِثْبَاتِ وُجُودِ الْغَيْرِ، ثُمَّ فَصَّلَ مَا شَاهَدَ فِي عَيْنِ الْجَمْعِ لِكَوْنِهِ فِي مَقَامِ الْفَرْقِ بَعْدَ الْجَمْعِ لَا يَحْتَجِبُ بِالْوَحْدَةِ عَنِ الْكَثْرَةِ وَلَا بِالْعَكْسِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ وَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي تَحْيَا بِهِ الْقُلُوبُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2عَلَى مَنْ يَشَاءُ مَنْ عِبَادِهِ وَهُمُ الْمُخْلِصُونَ لَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاتَّقُونِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَيْ خَوِّفُوا الْخَلْقَ مِنَ الْخَوَاطِرِ الرَّدِيئَةِ الْمَمْزُوجَةِ بِالنَّظَرِ إِلَى غَيْرِي وَخَوْفُهُمْ مِنْ عَظِيمِ جَلَالِي، وَهَذَا وَحْيُ تَبْلِيغٍ وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَذَكَرُوا أَنَّ الْوَحْيَ إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ غَيْرَ مَخْصُوصٍ بِهِمْ بَلْ يَكُونُ لِلْأَوْلِيَاءِ أَيْضًا
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=30الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا [فُصِّلَتْ: 30] وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُزَاحِمُهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى عَدَّدَ الصِّفَاتِ وَفَصَّلَ النِّعَمَ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=3خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ إِلَخْ، وَفِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=7وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَخْ إِشَارَةٌ كَمَا نُقِلَ عَنِ الْجُنَيْدِ قُدِّسَ سِرُّهُ إِلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ الْبُلُوغَ إِلَى مَقْصِدِهِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ أَمْرِهِ وَقَصْدِهِ الْجَهْدَ وَالِاجْتِهَادَ لِيُوصِلَهُ بَرَكَةُ ذَلِكَ إِلَى مَقْصُودِهِ، وَذَكَرُوا أَنَّ الْمَحْمُولِينَ مِنَ الْعِبَادِ إِلَى الْمَقَاصِدِ أَصْنَافٌ وَكَذَا الْمَحْمُولُ عَلَيْهِ، فَمَحْمُولٌ بِنُورِ الْفِعْلِ، وَمَحْمُولٌ بِنُورِ الصِّفَةِ، وَمَحْمُولٌ بِنُورِ الذَّاتِ، فَالْمَحْمُولُ بِنُورِ الْفِعْلِ يَكُونُ بَلَدُهُ مَقَامَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَمَحَلَّتُهُ صِدْقُ الْيَقِينِ وَدَارُهُ مُرَبَّعُ الشُّهُودِ، وَالْمَحْمُولُ بِنُورِ الصِّفَةِ يَكُونُ بَلَدُهُ مَقَامَ الْمَعْرِفَةِ وَمَحَلَّتُهُ صَفْوَ الْخُلَّةِ وَدَارُهُ دَارَ الْمَوَدَّةِ، وَالْمَحْمُولُ بِنُورِ الذَّاتِ يَكُونُ بَلَدُهُ التَّوْحِيدَ وَمَحَلَّتُهُ الْفَنَاءَ وَدَارُهُ الْبَقَاءَ، وَهَذِهِ الْأَصْنَافُ لِلسَّالِكِ، وَأَمَّا الْمَجْذُوبُ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَطِيَّةِ الْفَضْلِ إِلَى بَلَدِ الْمُشَاهَدَةِ، وَفِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=8وَيَخْلُقُ مَا لَا ( تَعْلَمُونَ ) تَحْيِيرٌ لِلْأَفْهَامِ وَتَعْجِيزٌ أَيْ تَعْجِيزٌ عَنْ أَنْ تُدْرِكَ الْمَلِكَ الْعَلَّامَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ فِيهَا تَعْلِيمًا لِلْوُقُوفِ عِنْدَ مَا لَا يُدْرِكُهُ الْعَقْلُ مِنْ آثَارِ الصُّنْعِ وَفُنُونِ الْعِلْمِ وَعَدَمِ مُقَابَلَةِ ذَلِكَ بِالْإِنْكَارِ حَيْثُ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يَخْلُقُ مَا لَا يُعْلَمُ بِمُقْتَضَى الْقُوَى الْبَشَرِيَّةِ الْمُعْتَادَةِ وَإِنَّمَا يُعْلَمُ بِقُوَّةٍ إِلَهِيَّةٍ وَعِنَايَةٍ صَمَدِيَّةٍ، أَلَا تَرَى الصُّوفِيَّةَ الَّذِينَ ( مَنَّ ) اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِمَا مَنَّ كَيْفَ عَلِمُوا عَوَالِمَ عَظِيمَةً نِسْبَةَ عَالَمِ الشَّهَادَةِ إِلَيْهَا كَنِسْبَةِ الذَّرَةِ إِلَى الْجَبَلِ الْعَظِيمِ، وَمِمَّنْ زَعَمَ الِانْتِظَامَ فِي سِلْكِهِمْ كَالْكَفْشِيَّةِ الْمُلَقِّبِينَ أَنْفُسَهُمْ بِالْكَشْفِيَّةِ مَنْ ذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ أَشْيَاءَ لَا يَشُكُّ الْعَاقِلُ فِي أَنَّهَا لَا أَصْلُ لَهَا بَلْ لَوْ عُرِضَ كَلَامُهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى الْأَطْفَالِ أَوِ الْمَجَانِينِ لَمْ يَشُكُّوا فِي أَنَّهُ حَدِيثُ خُرَافَةٍ صَادِرٌ عَنْ مَحْضِ التَّخَيُّلِ، وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ لَا يَبْتَلِي مُسْلِمًا بِمِثْلِ مَا ابْتَلَاهُمْ، وَقَدْ عَزَمْتُ حِينَ رَأَيْتُ بَعْضَ كُتُبِهِمُ الَّتِي أَلَّفَهَا بَعْضُ مُعَاصِرِينَا مِنْهُمْ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَى ذَلِكَ عَلَى أَنْ أَصْنَعَ نَحْوَ مَا صَنَعُوا
[ ص: 160 ] مُقَابَلَةً لِلْبَاطِلِ بِمِثْلِهِ لَكِنْ مَنَعَنِي الْحَيَاءُ مِنَ اللَّهِ وَالِاشْتِغَالُ بِخِدْمَةِ كَلَامِهِ سُبْحَانَهُ وَالْعِلْمُ بِأَنَّ تِلْكَ الْخُرَافَاتِ لَا تُرَوَّجُ إِلَّا عِنْدَ مَنْ سُلِبَ مِنْهُ الْإِدْرَاكُ وَالتَّحَقُّقُ بِالْجَمَادَاتِ، وَقَالَ
الْوَاسِطِيُّ فِي الْآيَةِ: الْمَعْنَى يَخْلُقُ فِيكُمْ مِنَ الْأَفْعَالِ مَا لَا تَعْلَمُونَ أَنَّهَا لَكُمْ أَمْ عَلَيْكُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=9وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ أَيِ السَّبِيلُ الْقَصْدُ وَهُوَ التَّوْحِيدُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=9وَمِنْهَا جَائِرٌ
وَهُوَ مَا عَدَا ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=9وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ لَكِنَّهُ لَمْ يَشَأْ لِعَدَمِ اسْتِعْدَادِكُمْ وَلِتَظْهَرَ صِفَاتُ جَمَالِهِ وَجَلَالِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=15وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ وَهُمُ الْأَوْتَادُ أَرْبَابُ التَّمْكِينِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=15أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ أَيْ تَضْطَرِبَ، وَمِنَ الْكَلَامِ الْمَشْهُورِ عَلَى الْأَلْسِنَةِ لَوْ خَلَتْ قُلِبَتْ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=15وَأَنْهَارًا وَهُمُ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ تَحْيَا بِفُرَاتِ عُلُومِهِمْ أَشْجَارُ الْقُلُوبِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=15وَسُبُلا وَهُمُ الْمُرْشِدُونَ الدَّاعُونَ إِلَيْهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=16وَعَلامَاتٍ وَهِيَ الْآيَاتُ الْآفَاقِيَّةُ وَالْأَنْفُسِيَّةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=16وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ وَهِيَ الْأَنْوَارُ الَّتِي تَلُوحُ لِلسَّالِكِ مِنْ عَالِمِ الْغَيْبِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَلْقَى فِي أَرْضِ الْقُلُوبِ رَوَاسِيَ الْعُلُومِ الْغَيْبِيَّةِ وَالْمَعَارِفِ السَّرْمَدِيَّةِ وَأَجْرَى فِيهَا أَنْهَارَ أَنْوَارِ الْمَعْرِفَةِ وَالْمُكَاشَفَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالشَّوْقِ وَالْعِشْقِ وَالْحِكْمَةِ وَالْفِطْنَةِ وَأَوْضَحَ سُبُلًا لِلْأَرْوَاحِ وَالْعُقُولِ وَالْأَسْرَارِ، فَسَبِيلُ الْأَرْوَاحِ إِلَى أَنْوَارِ الصِّفَاتِ، وَسَبِيلُ الْعُقُولِ إِلَى أَنْوَارِ الْآيَاتِ، وَسَبِيلِ الْأَسْرَارِ إِلَى أَنْوَارِ الذَّاتِ، وَالسُّبُلُ فِي الْحَقِيقَةِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، وَمِنْ كَلَامِهِمُ الطُّرُقُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِعَدَدِ أَنْفَاسِ الْخَلَائِقِ. وَالْعَلَامَاتُ فِي الظَّاهِرِ أَنْوَارُ الْأَفْعَالِ لِلْعُمُومِ، وَأَخَصُّ الْعَلَامَاتِ فِي الْعَالَمِ الْأَوْلِيَاءُ، وَالنُّجُومُ أَهْلُ الْمَعَارِفِ الَّذِينَ يَسْبَحُونَ فِي أَفْلَاكِ الدَّيْمُومِيَّةِ بِأَرْوَاحِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ وَأَسْرَارِهِمْ مَنِ اقْتَدَى بِهِمْ يَهْتَدِي إِلَى مَقْصُودِهِ الْأَبَدِيِّ، وَفِي الْحَدِيثِ: «
nindex.php?page=hadith&LINKID=1084أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ ».
وَالْمُرَادُ بِهِمْ خَوَاصُّهُمْ لِيَتَأَتَّى الْخِطَابُ، وَيَجُوزَ أَنْ يُرَادَ كُلُّهُمْ وَالْخِطَابُ لَنَا وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَشْرَبِ الْقَوْمِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=20وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يَخْلُقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=21أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ مَا أَعْظَمَهَا آيَةً فِي النَّهْيِ عَلَى مَنْ يَسْتَغِيثُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْجَمَادَاتِ وَالْأَمْوَاتِ وَيَطْلُبُ مِنْهُ مَا لَا يَسْتَطِيعُ جَلْبَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ دَفْعَهُ عَنْهَا.
وَقَالَ بَعْضُ أَكَابِرِ السَّادَةِ الصُّوفِيَّةِ قَدَّسَ اللَّهُ تَعَالَى أَسْرَارَهُمْ: إِنَّ الِاسْتِغَاثَةَ بِالْأَوْلِيَاءِ مَحْظُورَةٌ إِلَّا مِنْ عَارِفٍ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْحُدُوثِ وَالْقِدَمِ فَيَسْتَغِيثُ بِالْوَلِيِّ لَا مِنْ حَيْثُ نَفْسُهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ ظُهُورُ الْحَقِّ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَحْظُورٍ لِأَنَّهُ اسْتِغَاثَةٌ بِالْحَقِّ حِينَئِذٍ، وَأَنَا أَقُولُ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَمَا الدَّاعِي لِلْعُدُولِ عَنِ الِاسْتِغَاثَةِ بِالْحَقِّ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ؟ وَأَيْضًا إِذَا سَاغَتِ الِاسْتِغَاثَةُ بِالْوَلِيِّ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ فَلْتَسُغِ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ لَهُ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ أَيْضًا، وَلَعَلَّ الْقَائِلَ بِذَلِكَ قَائِلٌ بِهَذَا. بَلْ قَدْ رَأَيْتُ لِبَعْضِهِمْ مَا يَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ تَسْبِيحٌ وَلَا يَكَادُ يَجْرِي قَلَمِي أَوْ يَفْتَحُ فَمِي بِذِكْرِهِ، فَالطَّرِيقُ الْمَأْمُونُ عِنْدَ كُلِّ رَشِيدٍ الِاسْتِغَاثَةُ وَالِاسْتِعَانَةُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ سُبْحَانُهُ الْحَيُّ الْقَادِرُ الْعَالِمُ بِمَصَالِحِ عِبَادِهِ، فَإِيَّاكَ وَالِانْتِظَامَ فِي سِلْكِ الَّذِينَ يَرْجُونَ النَّفْعَ مَنْ غَيْرِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ذَكَرُوا أَنَّ السَّابِقِينَ الْمُوَحِّدِينَ يَتَوَفَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَاتِهِ، وَأَمَّا الْأَبْرَارُ وَالسُّعَدَاءُ فَقِسْمَانِ، فَمَنْ تَرَقَّى عَنْ مَقَامِ النَّفْسِ بِالتَّجَرُّدِ وَصَلَ إِلَى مَقَامِ الْقَلْبِ بِالْعُلُومِ وَالْفَضَائِلِ يَتَوَفَّاهُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ، وَمَنْ كَانَ فِي مَقَامِ النَّفْسِ مِنَ الْعِبَادِ وَالصُّلَحَاءِ وَالزُّهَّادِ الْمُتَشَرِّعِينَ الَّذِينَ لَمْ يَتَجَرَّدُوا عَنْ عَلَائِقِ الْبَدَنِ بِالتَّحْلِيَةِ وَالتَّخْلِيَةِ تَتَوَفَّاهُمْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ، وَأَمَّا الْأَشْرَارُ الْأَشْقِيَاءُ فَتَتَوَفَّاهُمْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ، وَأَمَّا الْأَشْرَارُ الْأَشْقِيَاءُ فَتَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَيْضًا وَلَكِنَّ مَلَائِكَةَ الْعَذَابِ وَيَتَشَكَّلُونَ لَهُمْ عَلَى صُورَةِ أَخْلَاقِهِمُ الذَّمِيمَةِ كَمَا يَتَشَكَّلُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ لِمَنْ تَقَدَّمَ عَلَى صُورَةِ أَخْلَاقِهِمُ الْحَسَنَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=32الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ طَابَتْ نُفُوسُهُمْ فِي خِدْمَةِ مَوْلَاهَا وَطَابَتْ قُلُوبُهُمْ فِي مَحَبَّةِ
[ ص: 161 ] سَيِّدِهَا وَطَابَتْ أَرْوَاحُهُمْ بِطِيبِ مُشَاهَدَةِ رَبِّهَا وَطَابَتْ أَسْرَارُهُمْ بِطِيبِ الْأَنْوَارِ، وَقِيلَ: طَيِّبَةٌ أَبْدَانُهُمْ وَأَرْوَاحُهُمْ بِمُلَازَمَةِ الْخِدْمَةِ وَتَرْكِ الشَّهَوَاتِ.
وَقِيلَ: طَيِّبَةُ أَرْوَاحُهُمْ بِالْمَوْتِ لِكَوْنِهِ بَابَ الْوِصَالِ وَسَبَبَ الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=35وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوهُ إِلْزَامًا بِزَعْمِهِمْ لِلْمُوَحِّدِينَ وَمَا دَرَوْا أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَشَاءُ إِلَّا مَا يَعْلَمُ وَلَا يَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلَيْهِ الشَّيْءُ فِي نَفْسِهِ فَلَوْلَا أَنَّهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُشْرِكُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=43فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ الْمُتَخَلِّقُونَ بِأَخْلَاقِهِ الْقَائِمُونَ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ الْوَاقِفُونَ عَلَى مَا أَوْدَعَ فِيهِ مِنَ الْأَسْرَارِ وَالْغُيُوبِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ فَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ الْقُرْآنُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ .
وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُظْهِرْ مَكْنُونَاتِ أَسْرَارِ كِتَابِهِ إِلَّا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْأَمِينُ الْمُؤْتَمَنُ عَلَى الْأَسْرَارِ. وَقَدْ أَشَارَ سُبْحَانُهُ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِتَبْيِينِ ذَلِكَ وَقَدْ فَعَلَ وَلَكِنْ عَلَى حَسَبِ الْقَابِلِيَّاتِ- لَا تَمْنَعُوا الْحِكْمَةَ عَنْ أَهْلِهَا فَتَظْلِمُوهُمْ وَلَا تَمْنَحُوهَا غَيْرَ أَهْلِهَا فَتَظْلِمُوهَا- وَلَا تُودَعُ الْأَسْرَارُ إِلَّا عِنْدَ الْأَحْرَارِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ وَإِذَا أُودِعَتْ عِنْدَ غَيْرِهِمْ لَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهَا مِنَ الْخِيَانَةِ. وَخِيَانَتُهَا إِفْشَاؤُهَا وَإِفْشَاؤُهَا خَطَرٌ عَظِيمٌ. وَلِذَا قِيلَ:
مَنْ شَاوَرُوهُ فَأَبْدَى السِّرَّ مُشْتَهِرًا لَمْ يَأْمَنُوهُ عَلَى الْأَسْرَارِ مَا عَاشَا وَجَانَبُوهُ فَلَمْ يَسْعَدْ بِقُرْبِهِمْ
وَأَبْدَلُوهُ مَكَانَ الْأُنْسِ إِيحَاشَا لَا يَصْطَفُّونَ مُذِيعًا بَعْضَ سِرِّهِمْ
حَاشَا وِدَادِهِمْ مِنْ ذَاكُمْ حَاشَا
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=48أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ أَيْ ذَاتٍ وَحَقِيقَةٍ مَخْلُوقَةٍ أَيَّةَ ذَاتٍ كَانَتْ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=48يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ قِيلَ: أَيْ يَتَمَثَّلُ صُوَرُهُ وَمَظَاهِرُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=48عَنِ الْيَمِينِ جِهَةَ الْخَيْرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=48وَالشَّمَائِلِ جِهَاتَ الشُّرُورِ، وَلَمَّا كَانَتْ جِهَةُ الْيَمِينِ إِشَارَةً إِلَى جِهَةِ الْخَيْرِ الَّذِي لَا يُنْسَبُ إِلَّا إِلَيْهِ تَعَالَى وَحَّدَ الْيَمِينَ وَلَمَّا كَانَتْ جِهَةُ الشِّمَالِ إِشَارَةً إِلَى جِهَةِ الشَّرِّ الَّذِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ تَعَالَى كَمَا يُرْشِدُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ: وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ وَلَكِنْ يُنْسَبُ إِلَى غَيْرِهِ سُبْحَانَهُ وَكَانَ فِي الْغَيْرِ تَعَدُّدٌ ظَاهِرٌ جَمْعَ الشِّمَالِ. وَقِيلَ فِي وَجْهِ الْإِفْرَادِ وَالْجَمْعِ: إِنَّ جَمِيعَ الْمَوْجُودَاتِ تَشْتَرِكُ فِي نَوْعٍ مِنَ الْخَيْرِ لَا تَكَادُ تَفِيءُ عَنْهُ وَهُوَ الْعِشْقُ فَقَدْ بَرْهَنَ
ابْنُ سِينَا عَلَى سَرَيَانِ قُوَّةِ الْعِشْقِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْهُوِيَّاتِ وَلَا تَكَادُ تَشْتَرِكُ فِي شَرِّ كَذَلِكَ فَمَا تَفِيءُ عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ لَا يَكُونُ إِلَّا مُتَعَدِّدًا فَلِذَا جَمَعَ الشِّمَالَ وَلَا كَذَلِكَ مَا تَفِيءُ عَنْهُ مِنَ الْخَيْرِ فَلِذَا أَفْرَدَ الْيَمِينَ فَلْيُتَأَمَّلْ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=49وَلِلَّهِ يَسْجُدُ يَنْقَادُ مَا
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=49فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ أَيْ مَوْجُودٍ يَدِبُّ وَيَتَحَرَّكُ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=49وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ لَا يَمْتَنِعُونَ عَنِ الِانْقِيَادِ وَالتَّذَلُّلِ لِأَمْرِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=50يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ لِأَنَّهُ الْقَاهِرُ الْمُؤَثِّرُ فِيهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=50وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ طَوْعًا وَانْقِيَادًا، وَاللَّهُ تَعَالَى الْهَادِي سَوَاءَ السَّبِيلِ.