الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الرابعة : إذا حلف لا يهب ، حنث بكل تمليك في الحياة خال عن العوض ، كالهبة والصدقة والرقبى والعمرى ، لأنها أنواع خاصة من الهبة ، وقيل : لا يحنث بما سوى الهبة . وقيل : يحنث بالرقبى والعمرى دون الصدقة ، حكاه المتولي ، ووجهه بأن الهبة والصدقة تختلفان اسما ومقصودا وحكما . أما الاسم ، فلأن من تصدق على فقير لا يقال : وهب له ، وأما المقصود ، فلأن الصدقة للتقرب إلى الله تعالى ، والهبة لاكتساب المودة . وأما الحكم ، فلأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يأكل الصدقة ، ويأكل الهبة والهدية . هذا في صدقة التطوع ، أما إذا أدى الزكاة ، أو صدقة الفطر ، فلا يحنث ، كما لو أدى دينا . وعن القفال ترديد جواب فيه ، والمذهب الأول . ولا يحنث بالإعارة ، إذ لا تمليك فيها ، ولا بالوصية ، لأنها تمليك بعد الموت ، والميت لا يحنث ولا بالضيافة . وقال ابن القطان : يحنث بالوصية . وفي الضيافة وجه حكاه المتولي بناء على أن الضيف يملك ما يأكله ، والصحيح الأول في المسألتين . ولا يحنث بالوقف عليه إن قلنا : الملك فيه للواقف ، أو لله تعالى ، وهو المذهب ، وإن قلنا للموقوف عليه ، حنث . وقيل : فيه خلاف . ولو قال الحالف لرجل : وهبتك كذا فلم يقبل لم يحنث على الصحيح ، لأن العقد لم يتم قال ابن سريج : يحنث ، لأنه [ ص: 51 ] يقال : وهبه كذا ، فلم يقبل ، وخرج على هذا الخلاف فيما إذا أعمره أو أرقبه ، ولم نصحح العقدين . ولو تم الإيجاب والقبول في الهبة ، لكن لم تقبض ، فوجهان ، أصحهما عند المتولي : يحنث لأن الهبة حصلت ، والمتخلف الملك . وعند البغوي : لا يحنث ، لأن مقصود الهبة لم يحصل .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح لا يحنث ، وصححه آخرون غير البغوي ، منهم الرافعي في " المحرر " . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        حلف : لا يتصدق ، فتصدق فرضا أو نفلا ، يحنث ، لشمول الاسم ، وسواء تصدق على فقير أو غني . وقال المتولي : لو دفع إلى ذمي لا يحنث ، لأنه لا قربة فيه ، وهذا ممنوع ، ويحنث بالإعتاق دون الإعارة والضيافة ، وفي الهبة وجهان . أحدهما : يحنث بها كعكسه . وأصحهما ، لا . والصدقة والهبة تتداخلان تداخل العموم والخصوص ، فكل صدقة هبة ، ولا ينعكس . ولو وقف ، فقد أطلق المتولي أنه يحنث ، وقال غيره : يبنى على الأقوال في ملك الوقف لمن هو ؟ إن قلنا : للواقف ، لم يحنث . وإن قلنا : لله تعالى ، حنث ، وإن قلنا : للموقوف عليه ، فوجهان ، كالهبة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        حلف : لا يبر فلانا ، دخل في اليمين جميع التبرعات من الهبة والهدية والإعارة والضيافة والوقف وصدقة التطوع ، فيحنث بأيها وجد ولو كان المحلوف عليه عبده ، فأعتقه ، حنث ، وكذا لو كان عليه دين ، فأبرأه ، ولا يحنث بأن يدفع إليه الزكاة . ولو حلف : لا يعتق عبدا فكاتبه ، وعتق بالأداء ، لم يحنث ، ذكره ابن القطان . ولو حلف : لا يضمن لفلان مالا ، فكفل بدن مديونه ، لم يحنث .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية