الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        السابعة : حلف : لا يلبس ثوبا ، حنث بلبس القميص والرداء والسراويل والجبة والقباء ونحوها ، وسواء المخيط وغيره ، والقطن والكتان والصوف والإبريسم ، وسواء لبسه على الهيئة المعتادة [ ص: 58 ] أو بخلافها ، بأن ارتدى أو اتزر بالقميص ، أو تعمم بالسراويل ، ولا يحنث بلبس الجلود وما يتخذ منها ، ولا بلبس الحلي والقلنسوة ، ولا بوضع الثوب على الرأس ، ولا بأن يفرشه ويرقد عليه . ولو تدثر به ، لم يحنث على الأصح ، لأنه لا يسمى لبسا ، ولو قال : لا ألبس حليا ، حنث بالسوار والخلخال والطوق والدملج ، وخاتم الذهب والفضة ، ولا يحنث بالمتخذ من شبه أو حديد ، ويحنث بمخنقة اللؤلؤ والجواهر وإن لم يكن فيها ذهب ، ولا يحنث بتقلد السيف المحلى . وفي المنطقة المحلاة وجهان ، أصحهما : أنها من حلي الرجل ، ويحنث بلبس الخرز والسبج إن كان الحالف من قوم يعتادون التحلي بهما ، كأهل السواد . وفي غيرهم وجهان ، كما لو حلف غير البدوي : لا يدخل بيتا ، فدخل بيت شعر . ولو حلف : لا يلبس شيئا ، حنث بلبس الثياب والحلي والقلنسوة والجلود وفي الدرع والخف والنعل والجوشن وجهان . أصحهما : يحنث ، وقد يطرد الخلاف في الحلي والقلنسوة . ولو قال : لا ألبس قميصا ، فارتدى أو اتزر بقميص ، حنث على الأصح ، ولو فتقه وقطعه وارتدى ، أو اتزر به ، لم يحنث ، لفوات اسم القميص . ولو قال : لا ألبس هذا القميص ، فارتدى به أو اتزر ، أو قال : لا ألبس هذا الرداء ، فاتزر به ، أو تعمم ، حنث على الصحيح ، لتعلق اليمين بعين القميص . ولو قال : لا ألبس هذا الثوب ، وكان المحلوف عليه قميصا أو رداء ، ففتقه واتخذ منه نوعا آخر ، بأن جعل القميص رداء ، أو الرداء جبة أو تككا ، أو الخف نعلا ، ثم لبس المتخذ ، حنث على الأصح ، إلا أن ينوي لا يلبسه ما دام على تلك الهيئة . فلو لم يذكر الثوب ، بل قال : لا ألبس هذا القميص ، أو هذا الرداء ، ففتقه ، واتخذ منه نوعا آخر [ ص: 59 ] ولبسه ، ففيه الوجهان ، لكن الأصح هنا : لا يحنث ، كما سيأتي في نظائره إن شاء الله تعالى . فإن قلنا : لا يحنث ، فأعاد الهيئة الأولى ، ففي الحنث الوجهان في الدار تعاد بعد الانهدام بذلك النقص . ولو كان قال في يمينه : لا ألبس هذا القميص ، أو الثوب قميصا ، أو هذا الثوب أو الرداء رداء ، فإن تقمص بالقميص ، أو ارتدى بالرداء ، حنث ، وإن اتزر بالقميص أو تعمم بالرداء ، لم يحنث . وكذا لو اتخذ من القميص غير قميص ، ومن الرداء غير رداء ، ثم لبسهما ، ولو قال : لا ألبسه وهو قميص ، فارتدى به ، أو تعمم أو اتزر ، حنث ، لأنه لبس وهو قميص ، وإن اتخذ منه غير القميص ولبسه ، لم يحنث .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الوجهان فيمن قال : لا ألبس هذا القميص ، فاتخذ منه غيره ولبسه ، يجريان في صور . منها : لو أشار إلى صبرة حنطة ، وقال : لا آكل هذه ، حنث بأكلها على هيئتها ، وبأكلها بعد الطحن والعجن والخبز والطبخ . ولو قال : لا آكل حنطة ، لم يحنث بالخبز والعجين والدقيق والسويق ، ويحنث بأكل الحنطة نيئة ومقلية ومطبوخة ومبلولة . ولو قال : لا آكل هذه الحنطة ، حنث بأكلها نيئة فقط ، ومطبوخة ، وهل يحنث بأكل دقيقها وسويقها وعجينها وخبزها ؟ وجهان . أصحهما : لا ، وبه قطع بعضهم ، لزوال اسم الحنطة ، فصار كما لو زرعها وأكل حشيشها . أو قال : لا آكل هذا البيض ، فصار فرخا فأكله ، فلو قال : لا آكل من هذه الحنطة ، فكذلك الحكم ، إلا أن هنا يحنث بأكل بعضها . وحكي وجه أنه إذا قال : من هذه الحنطة ، حنث بأكل كل ما يتخذ منها . ولو قال : لا آكل هذا الدقيق ، فأكل عجينه أو خبزه ، أو هذا العجين ، فأكل خبزه ، فعلى الخلاف .

                                                                                                                                                                        [ ص: 60 ] ومنها : لو قال : لا آكل هذا الحيوان ، فذبحه وأكله ، حنث ، لأن الحيوان هكذا يؤكل ، وهو كما لو حلف : لا يلبس هذا الغزل ، فلبس ثوبا نسج منه ، حنث . ولو قال : لا آكل لحم هذه السخلة أو الخروف ، فصار كبشا فذبحه وأكله ، فمن قال في مسألة الحنطة : يحنث ، قال هنا : يحنث ، ومن قال هناك : لا يحنث ، قال هنا : وجهان ، أصحهما : لا يحنث ، ويجري الوجهان فيما لو قال : لا أكلم هذا الصبي ، فكلمه بعد مصيره شابا ، أو هذا الشاب فكلمه بعد مصيره شيخا .

                                                                                                                                                                        ومنها : لو قال : لا أكلم هذا وأشار إلى عبد فعتق ، ثم كلمه ، حنث ، ولو قال : لا أكلم هذا العبد ، فعتق ، فهو كمسألة السخلة .

                                                                                                                                                                        ومنها : لو قال : لا آكل هذا الرطب ، فصار تمرا ، أو هذا البسر فصار رطبا ، أو العنب فصار زبيبا ، أو لا أشرب هذا العصير ، فصار خمرا ، أو هذا الخمر فصار خلا ، أو لا آكل هذا التمر ، فاتخذ منه عصيدة ، ثم أكل أو شرب ، ففيه هذا الخلاف ، وذكر الصيدلاني أن الشافعي - رحمه الله - نص على عدم الحنث في مسألة الحنطة والتمر ، وعلى الحنث في الصبي والسخلة . فقيل : قولان : وقيل : بتقرير النصين . والفرق من وجهين : أحدهما : أن مسألة الحنطة والتمر تبدل الاسم ، وفي السخلة والصبي تبدل الصفة ، وتبدل الصفة لا يسقط الحنث ، والثاني : أن التبدل في الأول بمعالجة ، بخلاف الثاني .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        حلف : لا يلبس الخاتم ، فجعله في غير الخنصر من أصابعه ، فعن المزني في " الجامع " أنه لا يحنث ، وتابعه البغوي ، وقاسه على ما لو حلف : لا يلبس القلنسوة ، فجعلها في رجله ، والذي حكاه الروياني عن الأصحاب أنه يحنث .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية