الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى

تفريع على ما قبله ، وثم جملة محذوفة دل عليها العرض ، أي فعمل آدم بوسوسة الشيطان ، فأكل من الشجرة وأكلت حواء معه . [ ص: 327 ] واقتصار الشيطان على التسويل لآدم وهو يريد أن يأكل آدم وحواء ؛ لعلمه بأن اقتداء المرأة بزوجها مركوز في الجبلة . وتقدم معنى فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة في سورة الأعراف .

وقوله : وعصى آدم ربه عطف على " فأكلا منها " ، أي أكلا معا ، وتعمد آدم مخالفة نهي الله تعالى إياه عن الأكل من تلك الشجرة ، وإثبات العصيان لآدم دون زوجه يدل على أن آدم كان قدوة لزوجه ، فلما أكل من الشجرة تبعته زوجه . وفي هذا المعنى قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا .

والغواية : ضد الرشد ، فهي عمل فاسد أو اعتقاد باطل . وإثبات العصيان لآدم دليل على أنه لم يكن يومئذ نبيئا . وأنه كان في عالم غير عالم التكليف وكانت الغواية كذلك ، فالعصيان والغواية يومئذ : الخروج عن الامتثال في التربية كعصيان بعض العائلة أمر كبيرها ، وإنما كان شنيعا ؛ لأنه عصيان أمر الله .

وليس في هذه الآية مستند لتجويز المعصية على الأنبياء ولا لمنعها ؛ لأن ذلك العالم لم يكن عالم تكليف .

وجملة ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى معترضة بين جملة وعصى آدم وجملة قال اهبطا منها جميعا ؛ لأن الاجتباء والتوبة عليه كانا بعد أن عوقب آدم وزوجه بالخروج من الجنة كما في سورة البقرة ، وهو المناسب لترتب الإخراج من الجنة على المعصية دون أن يترتب على التوبة . وفائدة هذا الاعتراض التعجيل ببيان مآل آدم إلى صلاح .

[ ص: 328 ] والاجتباء : الاصطفاء . وتقدم عند قوله تعالى : واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم في الأنعام ، وقوله : اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم في النحل .

والهداية : الإرشاد إلى النفع . والمراد بها إذا ذكرت مع الاجتباء في القرآن النبوءة كما في هذه الآيات الثلاث .

التالي السابق


الخدمات العلمية